علامة فارقة فـي تاريخ السينما العربية والتونسية
المخرجة التونسية كوثر بن هنية
تنافس على السعفة الذهبية
حدث سينمائي عربي كبير سجّلته السينما التونسية بدخول فـيلم «بنات ألفت» من كتابة وإخراج كوثر بن هنية الى المسابقة الرسمية لمهرجان «كان» السينمائي. وبهذا الحدث تؤكد بن هنيّة قيادتها للمشهد السينمائي التونسي باتجاه التألق العالمي إذ كانت قد نجحت العام الفائت كذلك بالوصول الى التصفـية النهائية فـي مسابقة أوسكار افضل فـيلم اجنبي غير ناطق بالانكليزية، عن فـيلمها «الرجل الذي باع ظهره» كما أنها اختيرت لترأس لجنة تحكيم أسبوع النقاد فـي كان العام الماضي. . ما يجعل اسمها علامة فارقة فـي تاريخ السينما العربية عامة والتونسية خاصة.
نافس فـيلم المخرجة التونسية كوثر بن هنية «بنات ألفة» على السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي، وأثار اهتمام جميع الحاضرين أثناء عرضه ضمن المسابقة الرسمية.
وتقول بن هنية:» شعرت بسعادة غامرة عندما أخبروني بأن الفـيلم تم اختياره فـي المسابقة الرسمية، خاصة حين سمعت أسماء مثل كين لوتش، ويس أندرسون، ويم ويندرس، لا أصدّق ما يحدث لي وأنا سعيدة جداً بوجودي هنا. »
ويشكّل الفـيلم مزيجاً هجيناً بين الوثائقي والروائي، ويروي حكاية ألفة الحمروني، وهي أم تونسية ذاع اسمها فـي كل أنحاء العالم سنة 2016، بعدما كشفت تطرف ابنتيها وانضمامهما إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية إثر ثورة الياسمين التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي فـي 2011.
وتوضّح المخرجة: «هذه الحكاية الصغيرة مرتبطة بالحكاية الكبيرة لتونس»، وتضيف: «أنا مفتونة بالتأثير الذي أحدثته هذه الثورة على حياة هؤلاء النساء، لدرجة أن بطلة الفـيلم، ألفة، تقود ثورتها الخاصة أيضاً، تتخلى عن زوجها وترحل كي تعيش حياتها بحريّة».
منذ اللحظات الأولى من الفـيلم، تمتزج الشهادات الحقيقية بأخرى يعاد تكوينها، بين ألفة وابنتيها وطاقم ممثلات محترفات، ونرى ألفة الحقيقية وهي توجّه الممثلة التي تؤدّي دورها. وفـي بعض المشاهد، تظهر المخرجة وهي تتلقى أسئلة من الممثلين، ونرى أيضاً مقتطفات من نشرات الأخبار التلفزيونية تتناول القضية. وهذا ما يجسّد مشاهد فريدة صنعها طاقم مكوّن فـي غالبيته من النساء.
وقالت بن هنية ليورونيوز: «أردت أن أحيط نفسي بفريق نسائي كي أستدرجهن إلى اعترافات حميمة، كان التصوير بمثابة مختبر علاجي بالنسبة لي، وأنثوي للغاية» وتضيف: «كان من الضروري أن نوفّر مساحة آمنة، حيث الجميع متعاطفون ولا أحد يطلق أحكاماً مسبقة، حتى الرجال الذين كانوا فـي موقع التصوير، حرصت أن يكونوا ودودين وبعيدين عن الذكورية».
على كف عفريت: فـيلم عالمي
كانت كوثر بن هنية أول مخرجة من تونس تمثل بلدها فـي حفلة توزيع جوائز الأوسكار عام 2019 مع فـيلمها «على كف عفريت»، الذي سبق أن شارك فـي مسابقة «نظرة ما» فـي مهرجان كان 2017، وهو يحمل كذلك قضية نسائية تستند الى قصة واقعية هزّت الرأي العام فـي تونس. إذ يروي الفـيلم قصة مريم البالغة من العمر 21 عاماً والتي بعد تعرّضها للاغتصاب بدأت معانات أكبر مع النظام الأبوي وفساد الشرطة والنظام الصحي، وانتهاءً بالنظام الاجتماعي الكامل لتونس (أو أيّ دولة عربية أخرى).
الفصول التي تشكّل «على كف عفريت» الذي طرح أخيراً على نتفليكس، تمنح الفـيلم هذا الشعور باليأس الذي لا نهاية له. حتى النهاية التي تحمل الأمل، كانت ضبابية، لأنّ الموضوع قديم، ولم ولن ينتهي مع نهاية الفـيلم.
ومن خلال هذا الفـيلم خاضت بن هنية أولى تجاربها فـي مجال الإنتاج المشترك، وفـي هذا الإطار تحدّثت بن هنية عن أهمية الانفتاح على تجارب فنية وتقنية عالمية فـي مجال صناعة السينما، مشدّدة على أن التكلفة الكبيرة لإنتاج فـيلم يُلبي طموحاتها، تفرض التعاون بين عدد من الدول؛ لذلك تحبّذ أن تكون جزءاً من هذه المنظومة القادرة على تحقيق إشعاع أكبر للعمل السينمائي.
وأضافت أنّ فـيلمها: «لا يعتبر أول تجربة سينمائية فـي رصيدها، يلتقي خلالها تقنيون وفنانون من جنسيات مختلفة»، مؤكدة أنها عملت مع مدير تصوير سويدي رغبت فـي التعاون معه، كما تندرج مشاركة مونيكا بلوتشي فـي فـيلمها الأخير، فـي إطار متطلّبات الدور وكانت النجمة العالمية متفاعلة ومتعاونة مع رؤيتها للشخصية فـي الفـيلم.
الرجل الذي باع ظهره :إنجاز تاريخي
فـي عام 2021 وصل فـيلم كوثر «الرجل الذي باع ظهره»، إلى التصفـية النهائية فـي مسابقة أوسكار أفضل فـيلم أجنبي غير ناطق بالإنكليزية، لتحقّق بذلك سابقة تاريخية للسينما التونسية، إذ أصبحت بذلك ثاني مخرجة عربية تبلغ القائمة القصيرة للأوسكار، بعد اللبنانية نادين لبكي وفـيلمها «كفر ناحوم».
وأعربت كوثر بن هنية، عن سعادتها لوصول فـيلمها «الرجل الذي باع ظهره» إلى القائمة القصيرة لأوسكار أفضل فـيلم ناطق بلغة أجنبية، باعتباره التوقيت الأنسب للعمل حتى يحظى بفرصته، لافتة إلى أنّ تجربتها السابقة فـي ترشيح «على كف عفريت» فـي 2019 للأوسكار، لم تكن مجدية.
وشدّدت على أهمية وجود موزّع أميركي متحمّس للفـيلم مع وضع إمكانات ضخمة ليكون الفـيلم صاحب حظوظ وفرص لمواصلة سباق الأوسكار، مؤكدة أنها أصبحت على دراية كافـية بخفايا سباق الأوسكار، لذلك تعتبر وجود فـيلمها ضمن القائمة القصيرة، سابقة تاريخية.
يروي الفـيلم قصة الشاب السوري سام علي، الذي اضطر بعد تعرّضه للتوقيف اعتباطيًا إلى الهرب من بلده سوريا الغارق فـي الحرب، تاركاً هناك الفتاة التي يحبها ليلجأ إلى لبنان. ولكي يتمكّن سام من السفر إلى بلجيكا ليعيش مع حبيبته فـيها، يعقد صفقة مع فنان واسع الشهرة تقضي بأن يقبل بوشم ظهره وأن يعرضه كلوحة أمام الجمهور ثم يباع فـي مزاد، ما يفقده روحه وحريته.
ويؤدّي أدوار البطولة فـي الفـيلم الممثل السوري يحيى مهايني والفرنسية ديا ليان والبلجيكي كوين دي باو والإيطالية مونيكا بيلوتشي.
ودعت المخرجة وكاتبة السيناريو الأربعينية سلطات بلدها إلى تعزيز الاهتمام بالسينما، معربة عن أملها فـي أن يشكّل هذا «التميّز حافزًا لمزيد من دعم السينما والإحاطة بالسينمائيين»، وقالت «غالبية أعمالنا ننجزها تقريبا بمفردنا» فـي تونس.
سينما جديدة
تنتمي بن هنية المولودة فـي 27 أغسطس 1977 فـي سيدي بوزيد وسط تونس، إلى جيل السينمائيين التونسيين الشباب الذين نقلوا إلى الشاشة الكبيرة قضايا مجتمعية وسياسية كانت تخضع للرقابة المشدّدة قبل ثورة 2011، وقدموها فـي طرح جريء، مساهمين فـي ظهور «سينما جديدة».
وتُعدّ كوثر بن هنية من أبرز المخرجين الشباب فـي السينما التونسية والأكثر إنتاجاً، إذ تتميّز بغزارة أعمالها رغم تجربتها القصيرة مقارنة بسينمائيين سبقوها بسنوات على مستوى المهنة، وتحظى أعمالها بدعم مؤسسات السينما فـي تونس وخارجها.
وتحصد بن هنية، التتويجات على كل عمل جديد تقدمه للسينما التونسية، فهي حاصلة على «التانيت الذهبي» لأيام قرطاج السينمائية لأكثر من دورة، ونالت فـي أكثر من مناسبة تتويجات من مهرجان الجونة السينمائي.
وتعد هذه المخرجة التونسية، من صانعات السينما العربيات والإفريقيات القلائل الحاضرات فـي السنوات الأخيرة فـي المهرجانات السينمائية العالمية فـي المسابقات والفعاليات الرسمية.
الجوائز ليست هدفها
تنفـي بن هنية ما يُشاع بأنها تصنع أفلاماً تتناسب مع المهرجانات فقط، إذ تعتبر كل فـيلم فـي مسيرتها حالة تعيشها بالكامل، قائلة: «أعتقد أنّ «الرجل الذي باع ظهره» نافس 90 فـيلماً وتمكن من الوصول إلى القائمة القصيرة، كونه نال إعجاب عدد من أعضاء أكاديمية الأوسكار، فنحن كصُنّاع فـيلم، لا نملك إمكانات كبيرة لفرض عملنا سوى طموحنا الفني لتقديم فـيلم جيد».
وأقرت بأهمية الجوائز فـي حياة الفـيلم، فهذه التتويجات تجعل العمل السينمائي يعيش أكثر، لا سيما أن جائحة كورونا أضرت كثيراً بقطاع السينما، متابعة: «إنتاج فـيلم فـي هذه الأزمة، بمثابة أسوأ خيار، ومع ذلك تمكن فـيلمي من الصمود بمشاركته فـي مهرجانات مختلفة».
وقالت إنّ: «جائزتا فنيسيا، والجونة السينمائي، تتويج أفضل إنتاج مشترك فـي حفل أكاديمية الأنوار بباريس، وغيرها من الجوائز أنقذت فـيلم «الرجل الذي باع ظهره»، ومنحته مساراً مميّزاً فـي جولته الدولية».