Bruce Clay

الموسيقى علاج فعّال للألم والاكتئاب… والذاكرة

العلاج بالموسيقى يقدّم العديد من الفوائد النفسية والجسدية والطبية
العلاج بالموسيقى يقدّم العديد من الفوائد النفسية والجسدية والطبية

لطالما اشتهرت الموسيقى بكونها وسيلة تتجاوز الحدود اللغوية والثقافية، وتجمع العالم بشكلٍ موحّد من خلال تحدّثها إلى الروح مباشرةً. وعلى الرغم من أنّ الاستماع إلى الموسيقى هو أمر مسلّ وهو مصدر أكيد للمتعة، إلّا أنّه يتمتّع كذلك بالعديد من الفوائد الصحية الجسدية والنفسية فهي تريح العقل وتنشّط الجسم كما تعالج مشاكل الذاكرة.

مفهوم العلاج بالموسيقى

المعالجون النفسيون والأطباء يعتمدون العلاج بالموسيقى لعلاج الكثير من الحالات الطبية والنفسية
المعالجون النفسيون والأطباء يعتمدون العلاج بالموسيقى لعلاج الكثير من الحالات الطبية والنفسية

بدأ مصطلح العلاج بالموسيقى بالظهور في كتابات أرسطو وأفلاطون، كما  كان قد  ظهر سابقًا في بعض الثقافات، مثل المصرية والصينية. وقد بدأت ممارسات تطبيق هذا المفهوم بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، عندما تطوّع عدد كبير من الموسيقيين للذهاب الى مستشفيات المحاربين القدامى الذين يعانون من صدمات جسدية ونفسية من الحروب، ليعزفوا لهم بهدف التخفيف من آلامهم. وقد تفاجأ الطاقم الطبي بالاستجابات الجسدية والنفسية والعقلية الملحوظة التي ظهرت على المرضى، ما دفعهم إلى طلب توظيف موسيقيين في المستشفيات.

ظهرت أولى إشارات العلاج الموسيقي للمشاكل النفسية في عام 1789 في مقال غير موقّع في مجلة كولومبيان، حمل عنوان “Music Physically Considered”، وفي أوائل القرن التاسع عشر، ظهرت من خلال كتابات عن القيمة العلاجية للموسيقى في أطروحتين طبيتين، الأولى نشرها إدوين أتلي والثانية كتبها صامويل ماثيوز.

وكان كلّ من أتلي وماثيوز من طلاب الدكتور بنجامين راش، الذي كان من أوائل الأطباء النفسيين الذين أشادوا باستخدام الموسيقى في عملية علاج الأمراض الطبية، ليشهد القرن التاسع عشر أول تدخل للموسيقى في عملية العلاج النفسي، أُجريت في Blackwell’s Island في نيويوك، بالإضافة إلى أول تجربة منهجية مسجلة في العلاج الموسيقي، التي كانت تهدف لتغيير حالات الأحلام أثناء العلاج النفسي.

واليوم يعترف المعالجون النفسيون كما الأطباء بفوائد العلاج بالموسيقى بل ويعتمدونه لعلاج الكثير من الحالات. فما رأيكم بجولة على أبرز الفوائد النفسية والجسدية التي يقدّمها العلاج بالموسيقى؟

تحسّن الأداء المعرفي

الموسيقى تحسّن الأداء في المهام المعرفية وتعزز سرعة المعالجة
الموسيقى تحسّن الأداء في المهام المعرفية وتعزز سرعة المعالجة

تشير الأبحاث إلى أنّ الموسيقى الخلفية أو الموسيقى التي يتم تشغيلها أثناء تركيز المستمع بشكلٍ أساسي على نشاط آخر، تحسّن الأداء في المهام المعرفية. كذلك وجدت إحدى الدراسات أنّ تشغيل الموسيقى المبهجة أدّى إلى تحسينات في سرعة المعالجة. وأشارت الدراسات الى أن كلاً من الموسيقى المبهجة والحزينة على حدّ سواء، كان لها فوائد ملحوظة على الذاكرة.

تقلل من التوتر

الموسيقى، ولا سيما الموسيقى التأملية، تقلل من التوتر
الموسيقى، ولا سيما الموسيقى التأملية، تقلل من التوتر

لطالما اشتُهرت الموسيقى بتأثيرها الكبير في التقليل من التوتر أو التحكم فيه، بما في ذلك الموسيقى التأملية التي تم ابتكارها لتهدئة العقل والأعصاب والحث على الاسترخاء.

وقد أكّدت الأبحاث العلمية على أنّ الاستماع إلى الموسيقى له تأثير كبير على استجابة الإنسان للضغط النفسي، إذ يميل الأشخاص الذين يستمعون إلى الموسيقى للتعافي بسرعة أكبر بعد تعرضهم للضغط. كما تظهر الأدلة أيضاً أنّ الموسيقى العالية التردّد تؤدي إلى تخفيف التوتر بشكلٍ أكبر، إذ أنّها تخفّض من نسبة الكورتيزول وتزيد من مستويات الأوكسيتوسين.

تساعد على تناول كمية طعام أقل

الموسيقى الهادئة تُعتبر أداة طبيعية ومفيدة لإنقاص الوزن
الموسيقى الهادئة تُعتبر أداة طبيعية ومفيدة لإنقاص الوزن

تُعد هذه الفائدة من أكثر الفوائد النفسية المثيرة للدهشة، إذ إنّ الموسيقى تُعتبر أداة مفيدة لإنقاص الوزن، فإذا كنت تحاول إنقاص وزنك، عليك الاستماع إلى موسيقى هادئة مع تعتيم الأضواء الأمر الذي سيساعدك على تحقيق هدفك.

إذ وجدت إحدى الدراسات أنّ الاستماع إلى الموسيقى بإيقاعها الأصلي كان مرتبطاً بمعدل الأكل الطبيعي، ليؤدّي تسريع أم تبطيء الإيقاع إلى زيادة في تناول الطعام، كما تشير الأبحاث إلى أنّه عند تشتت انتباه الناس بالموسيقى، أو إذا كانت الموسيقى تساهم في زيادة الحماس، فإنهم قد لا يدركون شعور الشبع وبالتالي يبدأون بالإفراط في تناول الطعام.

تقوّي الذاكرة

الموسيقى هي وسيلة طبيعية لتقوية الذاكرة بشكلٍ ملحوظ
الموسيقى هي وسيلة طبيعية لتقوية الذاكرة بشكلٍ ملحوظ

يستمتع الكثير من الطلاب بالاستماع إلى الموسيقى أثناء الدراسة، إذ يشعر البعض أنّ استماعهم لموسيقاهم المفضلة أثناء الدراسة يعمل على تقوية ذاكرتهم. وعلى الرغم من فوائدها الملحوظة، إلا أنّ هذه الممارسة تعتمد على عوامل عديدة مختلفة، بما في ذلك نوع الموسيقى، ونسبة الاستمتاع بها، وحتى مدى تدريب المستمع على الصعيد الموسيقي.

في إحدى الدراسات، تعلّم الطلاب غير المثقفين موسيقيًا، بشكلٍ أفضل عند الاستماع إلى الموسيقى الإيجابية، بفضل المشاعر الإيجابية التي أثارتها الموسيقى دون التدخل في تكوين الذاكرة. ومع ذلك، كان الطلاب المدربون موسيقياً يميلون إلى تقديم أداء أفضل في الاختبارات عندما يستمعون إلى الموسيقى المحايدة، ربما لأن هذا النوع من الموسيقى يُعدّ أقل تشتيتاً وأسهل للتجاهل.

كما ِوجدت إحدى الدراسات أنّ المشاركين الذين تعلّموا لغة جديدة، أظهروا تحسّناً ملحوظًا في معارفهم وقدراتهم عندما مارسوا غناء كلمات جديدة عوضًا عن التحدث أو التكلم باللغة الجديدة.

تعزز جودة النوم وكميته

الموسيقى الهائدة هي البديل الطبيعي الأفضل الذي يستبدل تناول الأدوية التي تساعد على النوم
الموسيقى الهائدة هي البديل الطبيعي الأفضل الذي يستبدل تناول الأدوية التي تساعد على النوم

يُعد الأرق من أكثر الأمراض الشائعة التي يعاني منها مختلف الفئات العمرية، وفي هذا الصدد، أثبتت الدراسات أنّ الاستماع إلى الموسيقى الهائدة يمكن أن يكون علاجًا آمنًا وفعالاً يستبدل تناول الأدوية التي تساعد على النوم، إذ أنّها تساعد على تعزيز سرعة النوم وزيادة مدّة النوم، كما لها تأثير كبير على جودة النوم.

ترفع المعنويات والمزاج

الموسيقى تساعد في تعزيز السعادة والمزاج والرفاهية
الموسيقى تساعد في تعزيز السعادة والمزاج والرفاهية

من الفوائد الأخرى للاستماع إلى الموسيقى، والمدعومة علمياً، أنها قد تجعلك أكثر سعادة، إذ تشير الأبحاث إلى أنّ الاستماع إلى الموسيقى يمكن أن يساعد في تعزيز السعادة والمزاج والرفاهية الشخصية بعدة طرق، بما في ذلك المساعدة على تطوير الروابط الاجتماعية، خاصة أثناء التجارب الموسيقية المشتركة مثل الحفلات الموسيقية، ودعم الصحة المعرفية لدى كبار السن، ورفع مستوى الإدراك والرفاهية.

ويقترح الباحثون أنّ الاستماع إلى الموسيقى يمكن أن يكون تجربة ممتعة للغاية تزيد من المشاعر الإيجابية وتعزّز إطلاق الدوبامين، وهو ناقل عصبي مرتبط بمشاعر المتعة والفرح.

في حين أنّ الموسيقى لها تأثير كبير على الحالة المزاجية، إلّا أنّ نوع الموسيقى مهم أيضاً، إذ تقدّم الموسيقى الكلاسيكية والتأملية أعظم الفوائد لرفع المعنويات والحالة المزاجية، في حين أنّ موسيقى الهيفي ميتال والتكنو غير فعالة، بل أيضاً ضارّة.

تساهم في الشفاء من أعراض الاكتئاب

الموسيقى هي علاج آمن وفعال لمجموعة متنوعة من الاضطرابات، ولا سيما الاكتئاب
الموسيقى هي علاج آمن وفعال لمجموعة متنوعة من الاضطرابات، ولا سيما الاكتئاب

كذلك وجد الباحثون أن الموسيقي يمكن أن تكون علاجًا آمنًا وفعالاً لمجموعة متنوعة من الاضطرابات، بما في ذلك الاكتئاب، إذ وجدت إحدى الدراسات أنّ العلاج بالموسيقى كان وسيلة آمنة ومنخفضة المخاطر لتخفيف نسبة الاكتئاب والقلق لدى المرضى الذين يعانون من حالات عصبية مثل الخرف والسكتة الدماغية ومرض باركنسون.

تعمل على تهدئة الألم والتحكم به

الموسيقى هي وسيلة فعالة لتهدئة الألم والتحكم به
الموسيقى هي وسيلة فعالة لتهدئة الألم والتحكم به

على صعيد موازٍ، أظهرت الأبحاث أنّ الموسيقى تلعب دورًا هامًا بالتحكم في الألم، إذ وجدت إحدى الدراسات التي أُجريت على مرضى الفايبروميالجيا أنّ أولئك الذين استمعوا إلى الموسيقى لمدة ساعة واحدة بشكلٍ يومي، شهدوا انخفاضاً كبيراً في نسبة الألم.

في الدراسة، استمع المرضى لموسيقى ممتعة ومريحة من اختيارهم، ثم قاموا بمهمة حركية موقوتة لقياس حركتهم الوظيفية وتقييم مستويات الألم لديهم.

كما أشارت إحدى الدراسات التي أُجريت على عدد من الأشخاص الذين سيخضعون لعملية جراحية، أنّ الأشخاص الذين استمعوا إلى الموسيقى قبل الجراحة أو أثناءها أو حتى بعدها، عانوا من ألم وقلق بنسبة أقل من أولئك الذيم لم يستمعوا إلى الموسيقى، واحتاجوا إلى كمية أقل من الأدوية للتحكم بالألم.