Bruce Clay

بييرباولو بيتشولي يقدّم مجموعته الأولى لدار بالنسياغا خلال أسبوع باريس للموضة

في أول فصول حقبة جديدة، قدّم بييرباولو بيتشولي مجموعته الأولى لدار بالنسياغا Balenciaga تحت عنوان “نبض القلب”، كبيان فني وإنساني يعيد رسم ملامح هوية الدار ويستحضر روح مؤسّسها كريستوبال بالنسياغا بطريقة معاصرة. لم تكن المجموعة تحية للماضي بقدر ما كانت إعادة معايرة لتاريخ عريق في ضوء الحاضر، ومحاولة لفهم معنى الإبداع كفعل إنساني، لا مجرد ممارسة جمالية.

الفكرة: المنهجية كجوهر للهوية

منذ بداياتها، قامت بالنسياغا على فكرة واضحة: الإبداع كمنهج. الفن ليس غاية بل عملية، عملية بحث في المادة، في الشكل، وفي العلاقة بين الجسد واللباس.
بالنسبة لبييرباولو بيتشولي، هذا المعنى هو ما يجب استعادته اليوم. تُعيد المجموعة صياغة هذه الفكرة الأساسية، فتجعل الإنسان في صميم كل قطعة، تمامًا كما كان الحال في أعمال كريستوبال بالنسياغا، الذي كان ينظر إلى الموضة كحوارٍ بين القماش والجسد — علاقة ديناميكية تتغيّر مع الحركة والضوء والهواء.

This slideshow requires JavaScript.

من عرض المجموعة الأولى بتوقيع  بييرباولو بيتشولي لدار بالنسياغا خلال أسبوع باريس للموضة

بُعد ثالث للأناقة

في تفاصيل المجموعة، يستكشف بيتشولي الفضاء غير المرئي بين القماش والجسد، أي “الهواء” الذي يفصل بينهما  وهو بُعد ثالث يتحوّل إلى عنصر تصميمي قائم بذاته.
فالتقشّف الجمالي الذي عُرف به بالنسياغا يتحوّل هنا إلى خفّة مادية ملموسة: ملابس تحافظ على بنية نحتية واضحة لكنها لا تقيّد الحركة، تُجسّد التوازن بين الانضباط والحرية.لا تسعى المجموعة إلى استنساخ الرموز الأيقونية، بل إلى إعادة قراءتها بحدسٍ معاصر.
ظلال الأشكال المعمارية التي اشتهر بها بالنسياغا تظهر هنا بأحجام جريئة تُعيد تعريف المفردات اليومية في خزانة الملابس المعاصرة: سترات جلدية مُعاد تصميمها بخطوط منحوتة، سراويل “تشينو” فضفاضة لكنها مصقولة هندسيًا، تريكو وأقمشة محبوكة بلمسة نحتية، تيشيرتات تتحوّل إلى منحوتات قطنية، وإكسسوارات تُكمّل الحوار بين الحِرفة والبساطة.

نيو غازار: قماش المستقبل

قدّم بيتشولي خلال هذا العرض قماشًا جديدًا أطلق عليه اسم نيو غازار، وهو تطوير حديث للنسيج الذي ابتكره بالنسياغا عام 1958.
يحافظ القماش الجديد على جوهر خصائص الغازار الأصلية، الملمس النحتي والقدرة على تشكيل الحجم عبر القصّ فقط ، لكنه يتميّز بانسيابية أكبر وملمس أكثر نعومة.

يُنسج القماش الجديد بطبقتين: طبقة أولى من الشاش الخشن تمنح السطح طابعًا حيًّا وغير متجانس، وطبقة ثانية من الأورغانزا الحريرية، أغناها بيتشولي بخيط لحمة إضافي من مزيج الحرير والصوف، ما منح النسيج مرونة استثنائية دون فقدان هيكليته. أما النتيجة فمادة تجمع بين الخفة والانسياب والقدرة على النحت، تُعيد تعريف مفهوم القماش المعماري في الموضة المعاصرة.

بييرباولو بيتشولي: بين الصرامة والرهافة

في أول مجموعاته لدار بالنسياغا، يبرهن بيتشولي أن وفاءه لروح الدار لا يعني التكرار، بل التحوّل الذكي. فقد أعاد تعريف العلاقة بين الصنعة والفكر، بين التكوين والتجربة، ليحوّل العرض إلى بيان فلسفي عن الموضة كفنٍّ إنساني.