سيدتان من الصومال ضمن الأكثر إلهاماً لعام 2021
كالعادة وقبل نهاية العام كشفت «بي بي سي» عن قائمتها السنوية التي تضمّ أكثر 100 امرأة ملهمة ومؤثّرة من جميع أنحاء العالم لعام 2021، وسلّطت قائمة هذا العام، الضوء على اللواتي يعملن على «إعادة ضبط الإيقاع»، النساء اللواتي يلعبن دورًا فـي إعادة إنتاج المجتمع والثقافة. وعلى الرغم من تراجع عدد السيدات العربيات على هذه القائمة من 11 فـي العام الماضي الى 4 فقط هذا العام إلا أنّ المرأة العربية لا زالت تعمل بكل طاقتها لتثبت ريادتها وقدراتها.
ولعل اللافت فـي لائحة 2021 هو كون نصف السيدات العربيات اللواتي نجحن بدخولها هنّ من الصومال، وكتكريم لهذه الجهود لا بدّ لنا من عرض سيرة هاتين السيدتين الملهمتين.
جميلة غوردون
«نصائح والدي أوصلتني إلى التميّز»
تُعدّ جميلة غوردون رائدة فـي عالم الذكاء الاصطناعي، وهي مؤسسة منصة لوماتشين العالمية التي تستخدم الذكاء الاصطناعي للتوصيل بين الروابط المُعَطَلة فـي سلاسل إمداد الغذاء العالمية. وتهدف هذه المنصة الى تتبّع مصادر الغذاء الكترونياً ليتمكّن المستهلك من معرفة مصدر ما يأكله وإن كانت الشركات التي يتعامل معها ملتزمة بالمعايير الأخلاقية.
ولدت جميلة فـي إحدى قرى الصومال، وحين كانت فـي سن المراهقة أرسلتها عائلتها إلى كينيا هرباً من الحرب الأهلية التي كانت دائرة فـي وطنها. وانتقلت بعد ذلك إلى أستراليا حيث تطوّر لديها الشغف بالتكنولوجيا.
الذكاء الاصطناعي سلاح الفقراء
قبل إطلاقها منصة لوماتشين، شغلت جميلة منصب المديرة الدولية فـي شركة آي بي أم، كما عملت مسؤولة معلومات لدى خطوط كانتاس الجوية الأسترالية.
حازت جميلة جائزة مايكروسوفت العالمية فـي السباق الدولي لريادة الأعمال الحرة للنساء عام 2018، كما نالت لقب «مبتكرة العام» فـي أستراليا ونيوزيلندا خلال عام 2021 فـي مجال النساء العاملات فـي حقل الذكاء الاصطناعي.
وتقول جميلة غوردن «أؤمن بشدة بقدرة الذكاء الاصطناعي على تمكين الفقراء والمهمّشين على تبوأ المواقع التي يستحقونها فـي المجتمع، والإسهام فـي الوقت نفسه بإحداث تحولات فـي عالم الأعمال».
نصيحة والدي أساس نجاحي
أُبعدت جميلة عن عائلتها قسرًاً بسبب الحرب، ولكنها تذكر دائمًا نصائح والدها التي ساعدتها على تخطّي المصاعب وإثبات نفسها، لا بل تألّقها. وتقول جميلة إن نصيحة والدها من 3 أجزاء فهو نصحها أولاً بجعل نفسها مفـيدة فـي أي موقع تتواجد فـيه وهذا ساعدها على العمل وبناء العلاقات فـي كينيا حيث لجأت كمراهقة هرباً من الحرب. وهذه النصيحة هي نفسها التي جعلتها فـي وقت لاحق تجهد للحصول على وظيفة فـي إحدى كبريات شركات التكنولوجيا فـي العالم.
أما النصيحة الثانية فهي أن تكون دائماً النسخة الأفضل من نفسها وهذا ما تترجمه جميلة بضحكة لا تفارق وجهها. وتقول جميلة إن هذه الابتسامة هي السبب الذي يجعلها دائماً تجد أشخاصاً ومؤسسات راغبة فـي العمل معها، فهذه الابتسامة لها دور كبير وأساسي بتحفـيز المحيطين ونشر أجواء إيجابية فـي العمل.
تبقى النصيحة الثالثة وهي أن تحلم أحلاماً كبيرة وهذا بالطبع ما فعلته لتصل الى ما هي عليه اليوم. وهذه النصيحة هي التي حفّزتها عند ذهابها إلى استراليا لدراسة المعلوماتية، علماً أنها كانت لا تزال لا تتقن اللغة الانكليزية. ولهذا السبب أسّست شركة معلوماتية هدفها سد الثغرات فـي سلسلة توريد الغذاء العالمية وجعلها أكثر إنسانية وأخلاقاً كما تقدّم التدريبات اللازمة للعاملين الذين لا يملكون القدرات اللازمة.
ومدافعة قوية عن المستضعفـين
تعدّ غوردون من المدافعين عن تنوّع وشمولية النساء فـي مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات وهي تساعد اللاجئين من خلفـيات مختلفة على النجاح فـي أستراليا. وهي تحارب بقوة عمالة الأطفال إنطلاقاً من تجاربها الشخصية إذ بدأت العمل عندما كانت فـي سن الخامسة وتشكل محاربة عمالة الأطفال الركن الأساسي فـي عملها التجاري المسؤول اجتماعيًا إذ من أهداف لوماتشين التأكد من أن الشركات الموردة للغذاء لا تلجأ الى عمالة الأطفال.
وفـي هذا المجال يذكر أن جميلة تطوّعت سابقًا كعضو مجلس إدارة فـي CareerSeekers والمنظّمات الاجتماعية CareerTrackers. وهي أيضًا سفـيرة عالمية فـي مؤسسة IWEC وتعمل كعضو فـي المجلس الاستشاري لـ Questacon.
حليمة عدن
أول عارضة أزياء محجبة
«مهنتي كانت فـي أوجهها ولكنني لم أكن سعيدة»
على الرغم من اعتزالها عالم عرض الأزياء فـي العام 2020 بعد اقتناعها بأن هذا العمل لا يتوافق مع مبادئ دينها الإسلامي، إلاّ أن حليمة عدن لا زالت من أكثر السيدات تأثيراً فـي العالم نظراً لنشاطها فـي مجال حقوق الإنسان.
تبلغ حليمة من العمر 24 عاما، نشأت وترعرت فـي ولاية منيسوتا محاطة بأبناء جاليتها الصومالية. وهي اليوم ترتدي ثيابًا عادية، ولا تضع مستحضرات التجميل.
يصفها بعض الأشخاص بأنها شخصية رائدة لكونها عارضة أزياء محجبة، وبأنها أول عارضة أزياء ترتدي الحجاب تظهر على غلاف مجلة فوغ الشهيرة. لكنها تركت كل هذا وراءها قبل شهرين، قائلة إن صناعة الموضة تتعارض مع تديّنها.
ولكونها ترتدي الحجاب، كان على حليمة أن تكون انتقائية فـي اختيار القطع التي ترتديها. ففـي بداية مسيرتها المهنية، كانت تحمل معها حقيبة مملوءة بعدة أنواع من أغطية الشعر والفساتين الطويلة، والتنانير. وكانت قد ارتدت حجابها الأسود فـي أول حملة دعائية شاركت فـيها وكانت لصالح مجموعة للمغنية ريهانا.
عام 2017 وقّعت عقداً مع شركة IMG، وهي واحدة من أكبر الشركات فـي العالم التي تعمل مع عارضات الأزياء، وكان من الهام جدا بالنسبة إليها أن تضيف بندا يضمن لها موافقة الشركة على أنها لن تخلع أبدا حجابها؛ فالحجاب يعني لها الكثير.
ولكن مع مرور الوقت، قلّت قدرتها على التحكم بنوع الثياب التي ترتديها، كما أنها وافقت على قبول ارتداء أغطية للرأس كانت ترفض ارتدائها فـي بداية عملها. وعن هذه المرحلة تقول: «وجدتُ نفسي وقد ابتعدتُ عن مساري، ودخلتُ مساحة رمادية متعبة سمحت خلالها لفريق العمل باختيار شكل حجابي».
وفـي آخر سنة لها فـي المهنة، أخذ حجم حجابها يصغر أكثر فأكثر؛ وكان أحيانا يُظهرُ رقبتها ومنطقة الصدر؛ وفـي أحيان أخرى لفّت أنواعا أخرى من القماش حول رأسها.
شعور بالمسؤولية
كانت حليمة تحرص دومًا على وضع بند فـي جميع عقودها يتعلّق بالسماح لها بالحصول على مساحة لتبديل ملابسها كي تضمن الخصوصية. لكنها أدركت أن غيرها من عارضات الأزياء المحجبات، اللاتي مشين على خطاها، لم يحظين بمعاملة مماثلة تضمن لهن قدرًا مماثلاً من الاحترام. كانت ترى فريق العمل وهو يأمرهن بتبديل ملابسهن فـي الحمام. وهذا الأمر أزعجها إذ اعتبرت نفسها مسؤولة عن هؤلاء الفتيات فهنّ دخلن المجال متبعين خطاها، وكانت تتوقّع أن تعامل زميلاتها المحجبات على نحو مماثل لها، وزاد هذا الموضوع من حدة شعورها بضرورة حمايتهن: «كثيرات منهن فـي مقتبل العمر، قد تكون هذه الصناعة مجالاً مخيفًا. غالبا ما كنت أجد نفسي ألعب دور الأخت الكبرى حتى فـي الحفلات التي كنا نحضرها، كنتُ أنادي إحدى العارضات المحجبات لأني قد أراها محاطة برجال يتجمعون حولها ويلاحقونها. كنت أقول لنفسي: «أشعر أن هناك خطبًا ما، إنها مجرد طفلة، فكنت أناديها وأسألها عن أولئك الرجال».
قلقة على قيمها
فـي تلك الأثناء، تزايدت مخاوف حليمة بخصوص عملها كعارضة أزياء؛ فبسبب زيادة الطلب للعمل معها، قل الوقت الذي تمضيه مع عائلتها وكذلك قلت مشاركتها فـي الأعياد والمناسبات الإسلامية. «فـي السنة الأولى من عملي، كنتُ قادرة على إيجاد وقت للعيد ورمضان، ولكن فـي آخر ثلاث سنوات كنت أسافرُ طوال الوقت، أحيانًا ست أو سبع مرات فـي الأسبوع. لم أكن أتوقف عن العمل».
فـي شهر سبتمبر من عام 2019، تصدّرت غلاف مجلة كينغ كونغ، وبدت فـي صورتها تضع ظلال العيون باللون الأحمر والأخضر الفاقع وقطعة مجوهرات ضخمة على وجهها كانت أشبه بقناع غطى كل وجهها عدا أنفها وفمها. «كان الماكياج بشعاً»، تقول حليمة.
وداخل ذلك العدد، رأت صورة رجل عار. وتعلّق على ذلك: «لماذا اعتقدت المجلة أنه من المقبول أن تنشر صورة امرأة مسلمة محجبة، ثم تضع صورة رجل عار على الصفحة التالية؟». كان ذلك ضد كل الأمور التي آمنت بها.
تقول حليمة إنها كانت تنتبه لصورها على أغلفة مجلات فـي المطارات، أثناء سفرها من جلسة تصوير إلى أخرى، وكانت بالكاد تميّز صورتها. «لم أكن متحمسة أبدًا؛ فلم أكن قادرة على رؤية وجهي. هل لك أن تتخيلي مدى تأثير ذلك على الصحة العقلية؟ فـي الوقت الذي كان يفترض بي أن أشعر بالسعادة والامتنان وأن أشعر أن تلك الصورة صورتي، لم أكن كذلك أبدا. كانت تبدو مهنتي وكأنها فـي أوجها، لكنني لم أكن سعيدة نفسيًا».
كما كانت هناك مشاكل أخرى – التساهل بخصوص القواعد المتعلّقة بالحجاب وطريقة التعامل مع العارضات المحجبات، ولقد توضّح لها الأمر أثناء فترة الوباء؛ فبسبب الوباء تأجّلت جلسات التصوير وعروض الأزياء فعادت إلى مدينتها وأمضت وقتها مع أمها التي لا تزال قريبة منها على نحو كبير. وتقول حليمة: «كانت تنتابني نوبات قلق من عام 2021 لأنني أحببت البقاء فـي البيت مع عائلتي وأصدقائي».
كل هذا يفسّر سبب قرارها التخلّي عن عملها كعارضة أزياء وكسفـيرة لليونسف فـي شهر نوفمبر الماضي، وتقول: «ممتنة لهذه الفرصة الجديدة التي منحني إياها كوفـيد. كلنا أعدنا النظر بمهننا وبمسارنا فـي الحياة وسألنا أنفسنا: هل يجلب لي هذا الأمر السعادة الحقيقية والمرح؟».
بيئة محافظة
عندما كانت فـي المرحلة الثانوية واجهت حليمة مشكلة مع أمها بعدما أصبحت أول محجبة تنال لقب أكثر الطلاب شعبية؛ إذ كسرت لها أمها التاج وقالت لها: «أظن أنك تركزين أكثر من اللازم على أصدقائك وعلى مباريات الجمال».
وعلى الرغم من ذلك، شاركت حليمة فـي مسابقة ملكة جمال مينسوتا عام 2016؛ وكانت مجددًا أول محجبة تصل إلى المرحلة ما قبل الأخيرة.
بالطبع أثارت حليمة هلع والدتها عندما قرّرت أن تصبح عارضة أزياء – تلك المهنة التي شعرت والدتها أنها تتعارض مع حليمة كشخص: فهي لاجئة مسلمة سوداء البشرة. وحتى عندما مشت على منصّات أكبر عروض الأزياء، ظلت والدتها تنصحها بأن تجد «عملاً مناسبا».
جانب إنساني
الجانب الإنساني من مهنة حليمة هو ما ساعدها على إقناع أمها بأن الموضوع يستحق؛ فباعتبارها لاجئة مشت 12 يومًا من الصومال نحو كينيا للعثور على حياة أفضل، تدرك حليمة تمامًا قيمة مساعدة من هم فـي ضيق.
تقول حليمة: «قالت لي أمي: مستحيل أن تصبحي عارضة أزياء ما لم يكن هناك جانب من عملك لرد الجميل. لذا وفـي أول اجتماع لي مع شركة IMG طلبت منهم تعريفـي على اليونيسف».
دعمت شركة IMG حليمة لهذا الغرض وأصبحت حليمة عام 2018 سفـيرة لليونيسف. وركّزت عملها على دعم حقوق الأطفال نظراً لأنها كطفلة عاشت فـي مخيم لاجئين.
تقول حليمة: «لم تنظر لي أمي يومًا على أني عارضة أزياء أو فتاة غلاف، بل لطالما اعتبرتني منارة أمل للفتيات الصغيرات، وكانت دائمًا تذكرني بأن أبقى قدوة لهن».
أرادت حليمة نشر التوعية حول وضع الأطفال النازحين وأن تعلم الأولاد بأنهم مثلها لهم القدرة على أن يجدوا طريقهم خارج المخيم يومًا ما. لكن لم تكن اليونسف بمستوى طموحها.
عام 2018، وبعد أن أصبحت سفـيرة لليونسف، زارت مخيم كاكوما لتشارك فـي خطاب تحفـيزي عبر منصة Ted Talk. ولكن وضع الأطفال لم يعجبها وشعرت أن منظمة اليونيسيف تركّز على الحفاظ على اسمها أكثر من اهتمامها بتعليم الأطفال، فقرّرت ترك اليونيسف، ورغم تركها اليونيسف فهذا لا يعني أن حليمة ستوقف عملها الخيري. «لن أتوقف عن التطوع. لا أعتقد أن العالم بحاجتي كعارضة أزياء أو كشخصية مشهورة، بل يحتاجني كحليمة القادمة من كاكوما – كشخص يفهم القيمة الحقيقية لكل بنس والقيمة الحقيقية للجاليات».