أول رائدة فضاء عربية إماراتية فـي التاريخ نورا المطروشي عندما تتلاقى الرؤيوية مع قوة التصميم
الأحلام ليست دائمًا مجرد أحلام، حتى ولو كانت بعيدة المنال، حتى ولو كانت في الفضاء وصولاً الى عالم الكواكب والنجوم… يمكنها أن تتحول الى واقع، بفضل الرؤيوية والتصميم والإيمان، وتوافر بعض الشروط، ومنها البيئة المجتمعية الحاضنة…
ونورا المطروشي شابة إماراتية قديرة ومقدامة، تعتبرنموذجًا ملهمًا، لما يمكن أن تطمح اليه وتحققه كل إمرأة عربية في مختلف المجالات، فقد إختارتها بلادها بإستحقاق، لتكون أول رائدة فضاء إماراتية وعربية، من ضمن برنامج الأمارات لرواد الفضاء في دورته الثانية، وستتأهل للإنضمام الى برنامج وكالة «ناسا» لرواد الفضاء لعام ١٢٠٢، بموجب إتفاقية تعاون مشترك بين دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأميركية.
وتم إختيارها وزميلها محمد الملا أما زميلها محمد الملا- من مواليد عام ٨٨٩١، الذي يعمل كطيار منذ ٥١ سنة، وكان قد حصل على شهادة مدرب طيار من الهيئة العامة للطيران المدني الأسترالي، ويشغل منصب رئيس قسم التدريب لمركز الجناح الجوي لشرطة دبي- بتاريخ ١٠ إبريل ١٢٠٢، من بين ٥٠٣٤ مرشحين، لتصبح أول رائدة فضاء ضمن الدفعة الثانية لبرنامج الإمارات لرواد الفضاء. وسينضمان الى الرائدين هزاع المنصوري وسلطان النيادي، ليشكّلوا معًا فريقًا رباعيًا، تحت مظلة برنامج الإمارات لرواد الفضاء، بما يدعم إستراتيجية وطموح الدولة في مجال إستكشاف الفضاء.
فمن هي هذه الشابة، وما الموقع الذي إختيرت له ومعايير إختيارها، وما هي الإنجازات الإماراتية التي يقع الإختيار في سياقها، والتدريبات التي ستخضع لها في بلادها وفي الولايات المتحدة الأميركية، وما طبيعة المهمة التي ستوكل إليها؟
نورا المطروشي من مواليد دولة الإمارات العربية المتحدة عام ٣٩٩١، وتنحدر وعائلتها من إمارة الشارقة.
أظهرت إندهاشها وإهتمامها منذ صغرها بعالم الكواكب والفلك، وكانت تستمتع بالذهاب الى الفعاليات الخاصة بمشاهدة النجوم.
يلهمها بشكل خاص، إنجاز رائد الفضاء الأميركي نيل أرمسترونغ، الرجل الأول الذي مشى على سطح القمر، بتاريخ ٦١ يوليو ٩٦٩١، عندما كان في الـ ٣٩ من عمره.
تحلم المطروشي، بأن يتمكّن رائد أو رائدة من الإمارات، من الهبوط يومًا على سطح هذا الكوكب، على متن مكوك إماراتي.
بعد تخرّجها من الثانوية، إختارت دراسة الهندسة الميكانيكية، وحصلت على شهادة البكالوريوس في هذا المجال، من جامعة الإمارات عام ٥١٠٢، وهي معروفة بإمتلاكها قدرات خاصة في علوم الرياضيات.
وقد حلّت في المرتبة الأولى على مستوى البلاد، في «أولمبياد الرياضيات الدولي» عام ١١٠٢، وهي مباراة لتلاميذ الثانويات، تجري سنويًا في إحدى دول العالم، وكانت حينها في أمستردام- هولندا، وشارك فيها تلامذة من ١٠١ دولة.
تابعت بعد تخرّجها، دورة تدريبية في جامعة «فاسا» للعلوم التطبيقية في فنلندا، قسم «التكنولوجيا والإبتكارات». وكانت تعمل لغاية تاريخه، كمهندسة في «شركة الإنشاءات البترولية الوطنية»، وتولّت منصب نائب رئيس مجلس الشباب في الشركة، لمدة ثلاث سنوات متتالية، وهي عضو في الجمعية الأميركية للمهندسين الميكانيكيين.
مثلت شبيبة بلادها في المؤتمر الرابع عشر للشباب، الذي عقد في الأمم المتحدة عامي ٨١٠٢ و ٩١٠٢.
وقد تمّ إنشاء موقع خاص بها، على مواقع التواصل الأجتماعي، ولا سيما تويتر وإنستغرام وفيسبوك.
الإنجازات التي يندرج الإختيار في إطارها
يأتي إختيار المطروشي وزميلها الملا، في سياق مجموعة إنجازات فضائية إماراتية متتالية، هي:
- إنشاء «مركز محمد بن راشد للفضاء» عام ٤١٠٢.
- إطلاق «برنامج الإمارات لرواد الفضاء» في إبريل ٧١٠٢، ضمن البرنامج الوطني للفضاء.
- إطلاق القمر الإصطناعي «خليفة سات»، في أكتوبر عام ٨١٠٢، وهو أول قمر صناعي عربي صنع بأيد محلية.
- إرسال أول رائد إماراتي الى الفضاء، هو هزاع المنصوري، ورفعه علم بلاده في محطة الفضاء الدولية التي وصل اليها في سبتمبر ٩١٠٢، وأمضى فيها ثمانية أيام، أجرى خلالها بعض التجارب العلمية، لمقارنتها مع التجارب التي أجريت على سطح الأرض.
- إقرار «قانون الفضاء»، الذي يحمل عشرة أمثلة لمجالات أنشطة فضائية جديدة وناشئة، بما في ذلك السياحة الفضائية، وإمتلاك الموارد الفضائية وإستخدامها، وبناء المستوطنات.
-إطلاق «مسبار الأمل» الإماراتي، من مركز «تانيجاشيما» الفضائي في اليابان، في مهمة لدراسة الغلاف الجوي للمريخ، في ٥١ يوليو ٠٢٠٢، ووصوله بنجاح الى مدار «الكوكب الأحمر»، في ٩ فبراير ١٢٠٢.
فيما يجري التخطيط لإنزال مركبة فضائية غير مأهولة على سطح القمر عام ٤٢٠٢، لا بل إقامة مستعمرة بشرية إماراتية في المريخ مع حلول العام ٧١١٢؛ وهي كلها بمثابة إستثمار في مجالات عديدة، منها قطاعات العلوم والتعليم والصناعة. كما سيساهم ذلك في دعم المشاركة العلمية العربية، في مسيرة الحضارة والمعرفة الإنسانية، وصناعة مستقبل أفضل للبشرية.
تجدر الأشارة الى أن «برنامج الإمارات لرواد الفضاء»، هو أحد المشاريع التي يديرها «برنامج الإمارات الوطني للفضاء»، ويموّلها «صندوق تكنولوجيا المعلومات والأتصالات»، التابع لهيئة تنظيم الأتصالات، والذي يهدف الى دعم البحث والتطوير في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الأمارات، وتعزيز تكامل الدولة على الصعيد العالمي.
وقد تمّ تصميم البرنامج، لإعداد وتدريب الشباب الإماراتي، للسفر الى محطة الفضاء الدولية، للقيام بمهام علمية.
التدريبات التي ستخضع لها
ستتابع المطروشي مع زميلها محمد الملا، برنامجًا تدريبيًا في «مركز محمد بن راشد للفضاء» في دبي لمدة ستة أشهر، ثم يلتحقان بزميليهما هزاع المنصوري وسلطان النيادي في وكالة «ناسا»، في نهاية عام ١٢٠٢، حيث سيستفيدان من خبرتهما ومهاراتهما المكتسبة، ومن رعايتهما على صعيدي التأقلم والتدريب.
ستستمر التدريبات في «مركز جونسون للفضاء» في وكالة «ناسا» في هيوستن، تكساس، لمدة سنتين ونصف، إعتبارًا من نهاية هذا العام، ضمن «برنامج وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» لرواد الفضاء لعام ١٢٠٢، وذلك تمهيدًا للمهمات المتنوعة التي ستحدّد لهما، مثل إدارة المحطة الدولية وتشغيلها وصيانتها، وهو ما تمكّن منه لغاية الآن، الرائد المنصوري وزميله النيادي، إضافة إلى مهمات أخرى أكثر تعقيدًا، تحاكي مختلف الظروف.
ويقتضي ذلك، التدرّب على رحلات الفضاء البشرية، والبحوث والتحكم في رحلات الفضاء، وتدريب الطواقم على القيام بمهام في المدار المنخفض بواسطة نظام مشروع المحاكاة التماثلية لأبحاث الإستكشاف البشري، وهو مشروع يبحث أيضًا في كيفية تعامل البعثات مع فترات الحجر أو العزلة القصوى، أو التواجد في أماكن بعيدة خلال فترات الأستكشاف.
وتشمل التدريبات كذلك، تأهيل الرائدين الإماراتيين لأدارة مهام دقيقة، كالسير الفضائي خارج المحطة، والبقاء لفترات طويلة داخلها، لأجراء إختبارات ومهمات أخرى، تؤهلهما كي يصبحا مشغلين للمحطة، بما في ذلك التعامل مع أنظمتها والتحكّم في الروبوتات والتعامل مع أنظمة الحواسيب وتخزين المعدات وتحديد مواقعها والتواصل مع المحطات الأرضية وتمارين النجاة على اليابسة والماء، ودراسة علم الديناميكية الهوائية والفيزياء وعلم وظائف الأعضاء وأساليب متابعة سفن الفضاء والجيولوجيا، وتركيب وصيانة وإصلاح المعدات والحصول على قدرات أساسية في اللغة الروسية التي سيحتاجونها بسبب وجود قسم روسي في المحطة، الى ما هنالك من تدريبات متشعّبة ومعقدة، تتطلب الكثير من الكفاءة والمقدرة وقوة الشخصية لأنجازها.
حاكم دبي في تغريدة عن هذا الحدث
الإعلان الأول صدر عن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي، الذي نشر تغريدة عبر حسابه على «تويتر» جاء فيها: «نعلن بحمد الله اليوم، عن إثنين من رواد الفضاء الأماراتيين الجدد، بينهما أول رائدة فضاء عربية، نورا المطروشي ومحمد الملا، تم إختيارهما من بين أكثر من أربعة آلاف متقدّم، وسيبدأ تدريبهما قريبًا، ضمن برنامج «ناسا» لرواد الفضاء…نبارك للوطن بهما…ونعول عليهما لرفع إسم الإمارات في السماء». وتوجه اليهما قائلاً «أنتما اليوم تمثلان الوطن».
وتغريدة نورا المطروشي
ومن جهتها غرّدت نورا قائلة إن : «الوطن قدّم لها يوم إختيارها لحظات لن تفارق ذاكرتها»، ووعدت بأنها «ستجتهد لتقدم له لحظات تبقى في ذاكرة أبنائه وفي سجل إنجازاته».
ووجهت الشكر الى قيادة الإمارات الرشيدة، وفريق برنامج الأمارات لرواد الفضاء، وأشارت الى أن التحضيرات للعمل والمهمات المقبلة قد بدأت.
هذا وقد تتالت رسائل التهنئة والتقدير على هذا الإختيار، من القادة السياسيين، والعلماء، والمواطنين العاديين في دولة الإمارات، وفي دول مختلفة أخرى، الذين إعتبروا بأن دولة الإمارات باتت تساهم في كتابة التاريخ العلمي للمنطقة، وتثبت رؤيتها للمستقبل، والحاجة إلى تطوير مواهب وقدرات الشباب وأصحاب الكفاءات والخبرة.
كما أبرزت الخبر بشكل كبير ولافت، جميع وكالات الأنباء العربية والعالمية، مؤكّدة على أهميته وطابعه التاريخي، وتفاعل معه العديد من رواد مواقع التواصل الأجتماعي حول العالم.
معايير إختيارها
يمكن أن يرد في بال البعض، أن معايير إختيارها قد تأقلمت ربما، مع الحاجة أو الرغبة في إضافة إمرأة الى فريق الرواد. وهذا ما ورد في عدد محدود من التعليقات على وسائل التواصل الإجتماعي.
والواقع أن الإختيار يخضع إلى معايير موضوعية محضة، كما يتبين من شروط التقدم، ومما أوضحه «سالم المري»، رئيس «اللجنة العليا لبرنامج الأمارات لرواد الفضاء».
-المعايير العامة:
كان «مركز محمد بن راشد للفضاء» قد أطلق الدفعة الأولى من برنامج «الإمارات لرواد الفضاء» في شهر ديسمبر ٩١٠٢، حيث فتح باب التسجيل الإلكتروني لكل من يجد في نفسه الكفاءة والجدارة كي يكون رائد فضاء من مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة، لمن هم فوق الثامنة عشرة، ويتقنون اللغتين العربية والإنكليزية، وحاصلين على شهادات جامعية.
وجاء التقييم على قاعدة دراسة ملف كل مرشح وأهليته، على الصعد العلمية الموضوعية التقنية والشخصية، ولا سيما لجهة العمر ونوعية التخصّص الأكاديمي والخبرة العملية، ما أفضى إلى تقليص عدد المتقدّمين الى ٩٩٠٢. وتضمّنت المرحلة الثانية إختبارات الذكاء العالمي والمهارات الشخصية، فأفضت التصفيات الى بقاء ٠٠٠١ مرشح، وتقلص العدد الى ١٢٢ نتيجة إختبارات إضافية، ومن ثم الى ١٦، خضعوا لفحوصات طبية متقدّمة. ولم ينتقل الى المرحلة الأخيرة سوى ٠٣ شابًا وشابة، خضعوا الى مقابلات نهائية، إختير منهم ٩ مرشحين و ٥ مرشحات، وصولاً إلى إختيار فائزين إثنين، وفقًا لمجمل النتائج. وهكذا كان قد تمّ إختيار هزاع المنصوري وسلطان النيادي حينها، وقد أنجزا ما كلفا به بكفاءة عالية، وكانا معًا، في عداد اللجنة المتخصّصة المولجة بالتقييم وإختيار رواد الدفعة الثانية في الأمارات.
-معيار إختيار المطروشي:
إنطبقت المعايير العامة للإختيار بطبيعة الحال، على إختيار نورا المطروشي. إلاّ أنه نظرًا لبعض التساؤلات، قام مساعد المدير العام للشؤون العلمية والتقنية في مركز محمد بن راشد للفضاء، رئيس اللجنة العليا لبرنامج الإمارات لرواد الفضاء «سالم المري»، بتوضيح الأمور بما مفاده:
صحيح أن إختيار نورا المطروشي، رسالة للمرأة الإماراتية والعربية، يفيد بإمكانية إنجازها لأي عمل يقوم به الرجل في مختلف المجالات، إلاّ أن إختيارها تمّ وفقًا لمعايير دولية محددة وصارمة. فقد جرى إستلام الطلبات وتقييمها وفقًا لهذه المعايير، علمًا بأن نسبة الأناث اللواتي تقدمن للبرنامج بلغت نسبة الـ٣٣ في المئة. ثم جرت مراحل تقييم متتالية من أجل ضمان إختيار أفضل المرشحين، وصولاً الى لحظة الإعلان عن إسمي الرائدين الفائزين.
وقد شمل التقييم إختبارات أهلية بدنية ونفسية لمهمات ضاغطة تتسم بالدقة والخصوصية، وتقييم لمعدلات الذكاء والقدرة على التأقلم، وخضوع المرشحين لمقابلات تقييمية شارك فيها خبراء من وكالة الفضاء الأميركية «ناسا»، لا سيما رائدة الفضاء الاميركية من أصل سويدي جيسيكا مير، التي قد تصبح أول أميركية تحط على سطح القمر عام ٤٢٠٢، وزميلتها «آن ماكلين».
لم تتعثّر المطروشي في أي من الإختبارات التي خضعت لها، ونجحت في أن تثبت جدارتها وأهليتها لأن تكون رائدة فضاء، وفقًا لجميع المعايير.
إسم سيذكره التاريخ
سجل التاريخ بأن السوفياتي الروسي «يوري غاغارين»، كان أول رائد يقوم برحلة الى الفضاء الخارجي في ٢١ إبريل ١٦٩١، وأن زميلته الرائدة «ڤالنتينا تيريشكوفا»، كانت أول رائدة دارت منفردة في كوكب حول الأرض بتاريخ ٦١ يونيو ٣٦٩١، وأن «نيل آرمسترونغ» كان أول رائد فضاء أميركي مشى على سطح القمر، بتاريخ ٦١ يوليو ٩٦٩١.
و سيسجل لاحفًا، أن نورا المطروشي هي أول رائدة فضاء إماراتية وعربية في التاريخ، وسيسجل لها، بعد إختيارها والإنتهاء من تدريباتها، قيامها بأول مهمة في الفضاء، على أمل إنجازات تاريخية لاحقة أخرى.
هنيئًا لدولة الإمارات العربية المتحدة، ولقادتها ورعاة مسيرتها العلمية والتنموية الرؤيويين، وللمرأة الإماراتية والعربية الأبية، على هذا الإنجاز التاريخي الملهم، الذي لا يندرج في إطار عمل لافت وحيد، بل في إطار برنامج علمي ومستقبلي متكامل ومفيد، نشعر جميعًا بالإنتماء اليه، من الناحيتين الوجدانية والقومية، ونتمنى له الإستمرارية وكامل النجاح.
إضافة إلى حبها لمراقبة النجوم والكواكب منذ صغرها، فهي تهوى القراءة والكتابة والرسم وركوب الخيل ومتابعة بعض التمارين الرياضية اللازمة. وهي تتميّز بميلها إلى الأعمال التطوعية، أكان لصالح قضايا الشباب لا سيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أم حقوق المرأة، أم الأنشطة الرياضية لا سيما الوطنية والدولية الطابع منها، أم تعزيز العلوم، أو التعاضد الإجتماعي، وهذا ما دفعها عام ١١٠٢ للإنخراط في «مؤسسة الإمارات» للرعاية والتكاتف الأجتماعي.