كوثر بن هنية أول مخرجة عربية تحصل على ترشيحَي أوسكار في دورة واحدة
بعد أن حصدت المخرجة التونسية العديد من الجوائز العالمية عن فيلمها “بنات ألفة” ها هي تصل اليوم للمرة الثانية خلال مسيرتها الى اللائحة القصيرة لترشيحات الأوسكار عن فئتي الأفلام الوثائقية والدولية وهو إنجاز لم يسبقها إليه أي فنان عربي.
مع إعلان اللائحة النهائية لترشيحات الدورة الـ 96 من جوائز الأوسكار الذي يُعتبر الحدث السينمائي الأهم حول العالم، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلاً واسعًا حول وصول الفيلم التونسي “بنات ألفة” الى لائحة الترشيحات النهائية.
وقد تصدّر إسم الممثلة هند صبري، وهي بطلة الفيلم، المنصّات الإلكترونية، مع اقترابها من الإنجاز العالمي. علماً أن حفل توزيع جوائز الأوسكاريقام في العاشر من مارس المقبل على مسرح دولبي في هوليوود، حيث يبث على الهواء مباشرة لملايين المشاهدين.
وفيما اكتفت بن هنية بالتعليق على صفحتها في فيسبوك بكلمة “فعلناها”، قامت صبري بزف الخبر السعيد على صفحتها، وأرفقته بصورة عن الملصق الرسمي للفيلم، وسط تفاعل العديد من النجوم السينمائيين في مصر والوطن العربي.
جوائز عالمية
وكان الفيلم قد حصد العام الماضي ثلاث جوائز في مهرجان “كان” السينمائي، وهي جائزة “العين الذهبية”، وجائزة “السينما الإيجابية”، وجائزة ” التنويه الخاص” من جمعية فرنسوا شالي التي تقدم الجوائز على هامش المهرجان منذ 27 سنة.
كذلك تمكن الفيلم من نيل جائزة “لوميير” الفرنسية، وجائزة الشرق في مهرجان البحر الأحمر السينمائي. وفي سبتمبر الماضي، أعلن المركز الوطني للسينما والصورة في تونس اختيار الفيلم للمنافسة على جائزة أوسكار كأفضل فيلم عالمي، ليصل بالفعل إلى القائمة النهائية حيث يتنافس وثلاث أفلام.
وليس هذا الإنجاز بغريب على المخرجة التونسية، التي كانت قد ترشحت عن تونس للأوسكار في عام 2021 عن فيلم “الرجل الذي باع ظهره”، والذي استطاع الوصول إلى القائمة القصيرة لكن لم يكتب له الفوز.
“بنات ألفة” تجربة إنسانية غنيّة
أجادت المخرجة التونسية بن هنية، ترجمة قصة واقعية تحكي عن أم وبناتها الأربعة، في مواجهة واقع صعب، يؤدّي الى التحاق اثنتين منهما بتنظيم الدولة الاسلامية.
وقد استعانت المخرجة بالأم الحقيقية صاحبة الرواية، و2 من بناتها، إضافة الى الممثلتين هند صبري وإشراق مطر، في دور الابنتين اللتين اختفتا.
وفي حديث لصحيفة “الغارديان” البريطانية، وصفت بن هنية تجربة تصوير الفيلم بتجربة “ذات طابع عاطفي جدًا”.
وقد تمّ انتاج هذا الفيلم بدعم من صندوق البحر الأحمر، وهو يعتبر رحلة حميمة تعبّر عن الأمل والتمرّد وعمق العلاقات الأخوية. يستكشف الفيلم حياة ألفة، وهي أم تونسية لأربع بنات، تجد نفسها في يوم ما، أمام حقيقة اختفاء اثنتين منهن. من خلال دمج متقن لإعادة تمثيل المشاهد، الحوارات المؤثرة والمحادثات الجوهرية، نجحت بن هنية في تقديم قصة جذابة تسلّط الضوء على قوة ومرونة الروح الإنسانية.
بالنسبة إلى كوثر بن هنية، شكّل تصوير فيلم “بنات ألفة” تحديًا مميزًا، إذ اقتضى إعادة تجسيد مشاهد أساسية لتوثيق القصة الكامنة وراء السلوك الظاهري المرح والمتفائل لألفة بشكل فعّال. تنظر كوثر إلى “بنات ألفة” ليس كمجرد فيلم، بل كتجربة إنسانية غنية، مشدّدةً على تصنيفه كعمل وثائقي وليس خيالي. تقول: “أصنع الأفلام من أجل الجمهور. لابد لي من امتلاك شغف تجاه القصة وشخصياتها وكل تفصيل فيها. يجب أن أهتم بها بعمق”.
الفضول يحرّكها
من الواضح أنّ فضول كوثر بن هنية يعمل كمحرك أساسي في مسيرتها السينمائية، حيث تعتبر دور المخرج مماثلًا لدور الطالب الذي يتعلم باستمرار من كل تجربة جديدة. ولعل أبرز دليل على ذلك، تعليقها على نجاح فيلمها الجديد بالقول: “كلما أنتجت أفلامًا، تعلمت المزيد؛ فكل فيلم يمثل تجربة جديدة، إذ لولا أفلامي السابقة، لما كنت قادرة على إنتاج “بنات ألفة” بهذه الطريقة”. ثم أردفت أن طريقتها في الكتابة والإخراج تتمحور حول التعاطف والفهم، مع التشديد على ضرورة فهم المشاعر الإنسانية بعمق: “لتستطيع أن تكون راويًا ماهرًا للقصص، لا بدّ أن تتعمق في فهم ما يدفع الناس إلى التصرف بطريقة معينة، دوافعهم، وخبراتهم الحياتية”.
السينما تمنح الحياة معنى
لا تتردّد بن هنية أبداً بالتعبير عن حماستها لإنتاج المزيد من الأعمال، إذ ترى السينما كأكثر من مجرد وسيلة للتواصل أو الترفيه وتشرح: “نعيش في عالم يحفل بالمفاهيم الخاطئة أو ربما سوء التواصل في رواية قصصنا، لن أقول إن السينما هي طريقة للتواصل؛ ولن أختزل السينما إلى مجرد وسيلة للتواصل. إنها أعمق من ذلك بكثير؛ فهي تمنح الحياة معنى.”
مسيرة واعدة
تبدو مسيرة كوثر كمخرجة مبشرة، مع تطوير مشروع جديد مدعوم مرة أخرى من صندوق البحر الأحمر، ومن المتوقع بدء إنتاجه قريباً. ومن الجدير ذكره أن كوثر مخرجة تونسية ولدت في سيدي بوزيد عام 1977 وتابعت دراستها في الإخراج السينمائي بمعهد الفنون والسينما في تونس العاصمة وفي جامعة “لا فيميس” في باريس، لتلتحق سنة 2005 ، بكلية كتابة السيناريو في المعهد نفسه في باريس. وقد أخرجت عدة أفلام طويلة وقصيرة ووثائقية. رشّح فيلمها “على كف عفريت” لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية خلال حفل توزيع جوائز الأوسكار الحادي والتسعون في 2019. وقد عُرض الفيلم في قسم جائزة “نظرة ما” في مهرجان “كان” السينمائي 2017. وفاز فيلم “زينب تكره الثلج” بالتانيت الذهبي في أيام قرطاج السينمائية في 2016.
الى ذلك تملك بن هنية في رصيدها الكثير من الأفلام منها الفيلم القصير “أنا وأختي والشيء” والفيلم الوثائقي “الأئمة يذهبون إلى المدرسة” والفيلم القصير “يد اللوح” إضافة الى “شلاط تونس”. دون أن ننسى فيلم “الرجل الذي باع ظهره” الذي رشّح لجائزة الأوسكار عام 2021 عن فئة الأفلام الأجنبية ووصل الى اللائحة القصيرة للترشيحات، علماً أن الممثلة الإيطالية العالمية مونيكا بيلوتشي شاركت فيه.