تؤكّد تميّزها فـي «كان»
أسماء المدير مخرجة مغربية توثّق تاريخ بلادها
من خلال البحث فـي أسرار عائلتها
دخل فـيلم المخرجة المغربية أسماء المدير «كذب أبيض» فـي منافسات مهرجان «كان» السينمائي من بوابة فئة «نظرة ما»، الفئة الثانية الأكثر أهمية فـي المهرجان، وبذلك يتحقّق أحد أحلام هذه المخرجة الشابة التي تطمح لإنتاج أفلام روائية ووثائقية عالمية المستوى تليق بالمهرجانات العالمية، وتنقل من خلالها رؤيتها وتجاربها.
يتراوح إبداع المخرجة المغربية أسماء المدير بين الأفلام الروائية القصيرة والوثائقية، وهي تؤكّد تميّزها من خلال ترشّح أفلامها للمنافسة فـي المهرجانات العالمية. ويعلم المتابع للمسيرة الفنية لهذه المبدعة، بأن نجاحها ليس صدفة بل حتميًا، فخلفه اجتهاد وطموح عُرفت بهما أسماء التي تعمل داخل وخارج المغرب، لتُكوّن نفسها وتصقل تجربتها باستمرار. فعشقها للصورة دفعها للدخول بين متاهاتها والتنقّل بين دروبها وسبر أغوارها، فهي دائمة الحركة والنشاط والسفر تبحث عن السينما فـي أي مكان، إنها نموذج للمخرج المثقف المبدع والمجتهد.
«كذب أبيض» ثمرة 10 سنوات من العمل
يروي فـيلم «كذب أبيض» الذي نافس فـي «كان» ضمن فئة «نظرة ما» قصة المخرجة نفسها، إذ تذهب إلى منزل والديها فـي الدار البيضاء لمساعدتهما على الانتقال إلى منزل آخر. فـي منزل عائلتها، بدأت فـي فرز كل أغراض طفولتها. فـي لحظة معينة ترى صورة: أطفال يبتسمون فـي ساحة روضة الأطفال. على حافة الإطار، هناك فتاة صغيرة تجلس على مقعد وتنظر إلى الكاميرا بخجل. إنها الصورة الوحيدة لطفولتها، الذكرى الوحيدة التي يمكن أن تعطيها والدتها لها. لكن أسماء مقتنعة بأنها ليست الطفلة الموجودة فـي هذه الصورة. على أمل أن تجعل والديها يتحدثان، تستخدم أسماء كاميرتها وتتلاعب بهذه الحادثة الحميمية للحديث عن ذكريات أخرى تشك فـيها أيضا. تصبح هذه الصورة نقطة الانطلاق فـي تحقيق، تسأل خلاله المخرجة عن كل الأكاذيب الصغيرة التي ترويها عائلتها. وتنتقل من هذا الحدث الحميم لتفتح جراحًا مرتبطة بانتفاضة الخبز سنة 1981 والتي بصمت التاريخ الدموي المعاصر للبلد.
وعن ترشح فـيلمها لمهرجان «كان» قالت المخرجة أسماء المدير، إنَّ هذا الإنجاز كان يعتبر بعيدَ المنال حين بدأت العمل على الفـيلم قبل عشر سنوات، واليوم بدأت تقطف ثماره. وأضافت: إنَّ الهدف كان واضحًا، وهو «الوصول بهذا المشروع إلى أعلى المراتب، وأولها هو ما حصل بانتقاء الفـيلم فـي أحد أكبر المهرجانات السينمائية فـي العالم؛ فأن يُعرض فـيلمك فـي مهرجان «كان» هو حلم كل مخرج عبر العالم». وأشادت المدير بمختلف الداعمين للفـيلم، وقالت: إن طموحاتها ستكبر اليوم أكثر فأكثر بهذا الإنجاز وبأن «الانطلاقة أصبحت وشيكة».
يذكر أن هذا الفـيلم هو الجزء الثاني من ثلاثية سينمائية، حمل الجزء الأول اسم «فـي زاوية أمي» بينما لا يزال الجزء الثالث فـي مرحلة ما بعد الإنتاج.
يُذكر أن الفـيلم حصل على منحة من نتفليكس بالتعاون مع الصندوق العربي للثقافة والفنون «آفاق»، وهي منحة موجهة لمخرجات عربيات من أجل دعم أعمالهن الوثائقية والروائية. كما شارك الفـيلم فـي ورشة «فاينل كات» على هامش مهرجان البندقية سنة 2021.
«فـي زاوية أمي» أفضل فـيلم وثائقي فـي «مهرجان تورنتو»
المنافسة فـي «كان» ليست المنافسة العالمية الأولى لهذه المخرجة المغربية، إذ سبق لها أن فازت بجائزة أفضل فـيلم وثائقي طويل فـي مهرجان تورنتو لفـيلم المرأة فـي كندا عن فـيلم «فـي زاوية أمي» الذي أنتجته قناة الجزيرة الوثائقية.
يصوّر الفـيلم رحلة ذاتية للمخرجة أسماء المدير، تبحث خلالها عن ذكرى أمها، بعدما عثرت على صورة قديمة بين أمتعتها تعود لقرية الزاوية الواقعة فـي قلب جبال الأطلس، حيث نشأت الأم وهي طفلة، فقرّرت الابنة البحث فـي الماضي عن أسرار تلك القرية، وتوثق للخطوات والدروب التي سارت عليها الأم وهي صغيرة، قبل هجرتها من القرية بشكل نهائي دون عودة بسبب ظروف الحياة الصعبة.
وقالت المخرجة أسماء المدير عن الفـيلم: «منذ الطفولة وأنا أرى صورة محدّدة بين أمتعة أمي، هي صورة قديمة عبارة عن بطاقة بريدية، ومع مرور السنين صارت تلك الصورة بين كتبنا، فأنا مثلا كنت أضعها بين أوراق القصص التي أقرأها حيث أتوقف»، مشيرة إلى أنها أدركت أن الصورة تعود لقرية حيث قضت والدتها طفولتها. وبهدف تصوير الفـيلم قصدت أسماء قرية «الزاوية» واستقرّت فـيها لخمس سنوات من أجل الإعداد للفـيلم وبنت علاقة جميلة مع نساء القرية.
عن الفـيلم تقول أسماء: «إنه يحكي عن جميع نساء الزاوية اللواتي تقربت منهن وعشت معهن، وهو بعيد عن كل «الكليشيهات» وما شوهد من قبل حول القرية؛ لأن الفـيلم يصور جماليتها ويظهر أنه رغم الكثير من الصعوبات والمشاكل فإن هناك كمية كبيرة من الحب».
وقد استهل الفـيلم الوثائقي «فـي زاوية أمي» مشواره فـي التظاهرات الدولية، باختياره للمشاركة فـي الدورة الـ33 لمهرجان «إدفا» السينمائي فـي أمستردام بهولندا. كما فاز بجائزة أفضل فـيلم وثائقي فـي الدورة الـ27 لـ«مهرجان تطوان الدولي لسينما البحر الأبيض المتوسط».
شغف حقيقي بالسينما
مخرجة شابّة، تؤكّد ممارستُها الفنية وأفكارها، أنّ لديها شغفًا حقيقيًا بالسينما. وهي تملك التحدّي والقدرة على خلق لغة سينمائية مميّزة، فهي تعرف كيف تؤطر الكادرات وتكوّنها، وكما تتقن التحكم بحركة الكاميرا وزواياها. الأهمّ، إحساسها وموهبتها فـي الكشف عن جوهر الناس منذ البداية، بعيداً عن الكليشيهات الاستشراقية الرائجة.
حصدت جوائز عدّة، دولية وعربية، عن فـيلمها الأول «فـي زاوية أمي»، فـي تورنتو وتطوان وخريبكة.
يذكر أن أسماء درست فـي المعهد المتخصّص للسينما والسمعي البصري فـي الرباط، ثم حصلت على الإجازة فـي الدراسات السينمائية والسمعية البصرية فـي تطوان، بعدها تابعت دراستها فـي المعهد العالي لمهن الصورة والصوت بباريس، كما أنها حصلت على ماستر فـي الوثائقي من المعهد العالي للصحافة بالرباط isic، ولها العديد من الأفلام أهمها:
-2010: الرصاصة الأخيرة
-2011: ألوان الصمت
- 2013: الحمد لله إنه يوم الجمعة
- 2015: قطع خشنة
-2016: هارما
- 2019: الحرب المنسية
2019: أمّ الأكاذيب
2020: فـي زاوية أمي