عطر ستيفان رولان x هنري جاك: توقيع عطري ينبض بروح باريس ودفء الشرق
بعض اللقاءات تولد من الصدفة، وأخرى كأنها كُتبت بيد القدر. هكذا كان اللقاء بين مصمّم الأزياء العالمي ستيفان رولان وصانعة العطور آن-ليز كريمونا، الرئيسة الفنية لدار هنري جاك، لقاء جمع بين الحرفية والذكريات، الرؤية والنبض العاطفي، فتحوّل إلى رحلة حسّية خالدة تتجسّد في عطر يحمل توقيعاً شخصياً لا يعرف المساومة.
ليس مجرّد تعاون عابر، بل قصيدة عطرية تنسج ملامحها من الطفولة، الحب، السفر والهوية. أراد رولان لعطره أن يكون مرآة لروحه: آسراً، صريحاً، وعميقاً في تعبيره. ومن هذا المفهوم، وُلد هذا العطر الشرقي الشيبري، كدعوة مفتوحة للترحال، ولعيش التجربة العطرية كما لو كانت سرداً لحكاية لا تُنسى.
برتقال الذاكرة وبخور الشرق: حكاية عطر تُروى على نبض الحنين
يبدأ العطر بعبق برتقال ناضج يغمر الحواس بدفء شمسه. نفحة حمضية غير متوقعة من رولان، لكنها تفتح صندوق الذكريات على طفولته، حيث كان يتسلّل إلى حانة والده ويستنشق عبير قوارير مشروبات البنش البلورية. ومن الانتعاش، تنتقل الحكاية إلى عبق البخور، الذي يلفّ البرتقال بهالة من السكينة والخصوصية، مستحضراً لحظات تأمل صامتة في المعابد، وتلك السنوات التي قضاها رولان في الشرق الأوسط، والتي كانت له بمثابة حبّ من النظرة الأولى.
أثر الذاكرة… من رطوبة الأنتيل إلى أناقة باريس
وسط هذه التدرجات، تُطلّ وردة مايو النادرة والوردة التركية، كهمسة أنثوية ناعمة وسط هذا التكوين الرجولي المتأمل، قبل أن تنساب نغمات التبغ، السوسن، والباتشولي، لتمنح العطر طابعاً ترابياً أصيلاً، يعكس سنوات مراهقته في أميركا الجنوبية وجزر الأنتيل، حيث كانت كلّ رائحة مشبّعة برطوبة استوائية، وكلّ أثر يروي فصلاً من الذاكرة.
وفي قاعدة العطر، تتلاقى الفانيلا ذات النفحات الخضراء مع دفء البنزوين وتوابل ناعمة، تعانق الجلد الخفيف بانسجام مخملي نادر، يُعيد التكوين إلى الأناقة الكلاسيكية الفرنسية التي نشأ عليها رولان. هذه الفانيلا لم تكن سكرية، بل خافتة، أرستقراطية، تُحاكي باريس القديمة كما رآها في بداياته.
توقيع لا يشبه سواه… بين صفاء هنري جاك وجرأة رولان
في تصريح له، يقول رولان: “ما من دار عطور غير هنري جاك تملك هذه الرهافة، وهذا الإخلاص النادر للتفاصيل الدقيقة، وهذا المستوى من الصفاء الذي كاد أن ينقرض. ومع ذلك، يبقى جوهر إبداعاتها نقياً، ولا تشوبه شائبة.”
ولأنّ هذا العطر يمثّل أكثر من مجرّد رائحة، تمّ إطلاقه بصيغتين من توقيع دار هنري جاك:
Les Essences: إصدار فائق التركيز يحتفي بجوهر الطبيعة النقي، بلمسة فنية خالصة.
Les Brumes: صيغة أكثر حيوية، مزوّدة برؤوس قابلة للتبديل تتيح استخدام العطر كرذاذ ناعم أو رشّة كلاسيكية، مصمّمة لترافق أسلوب الحياة اليومي برفاهية لا تُضاهى.
في ختام هذه الرحلة العطرية، يبقى هذا العطر شهادة على لقاء نادر جمع بين الموضة الراقية والفن العطري، بين روح باريس ونبض الشرق، بين الجرأة والنعومة. إنه توقيع عطري لا يُشبه سواه، ينبض بالحياة، ويُكتب – ككلّ الأشياء الجميلة – برائحة لا تُنسى.
عندما يلتقي الشغف بالتراث… يولد عطر يكتبه القدر
في لقاء أشبه بالمصير، اجتمع شغف العطور بالرؤية الفنية في تعاونٍ نادر جمع المصمّم الفرنسي ستيفان رولان بخبيرة العطور آن-ليز كريمونا. علاقة رولان بالعطر قديمة، تعود إلى طفولته، حيث كان يبحث بلا كلل عن نغمته الخاصة، يمزج الروائح ويتحدّى المألوف، إلى حدّ تخصيص خزانة كاملة لعطوره. أمّا آن-ليز، فكانت تتهيأ لحمل تراث العطور الفرنسية نحو المستقبل، متمسكةً بجذورها ومؤمنة بضرورة التطوير. حين التقيا للمرة الأولى، نشأت بينهما كيمياء صامتة، عميقة وبسيطة. لكن رغم الانسجام الفوري، سلك كلّ منهما طريقه الخاص. لعشر سنوات، ظلّ الاحترام والإعجاب المتبادل يجمعهما من بعيد، إلى أن أعادتهما الأقدار في عام 2025 إلى لحظة الاتساق الكامل، ليبتكرا عطراً مشتركاً يجمع بين رؤيتهما، وينطق بصوتٍ واحد، ينبض بالإحساس والفن والانسجام.
حين يلتقي العطر بالهوت كوتور… حوار الحرفية والشغف
من علاقة فردية بالعطر إلى شراكة تنبض بالعمق، يواصل ستيفان رولان وآن-ليز كريمونا رحلتهما المشتركة في ابتكار ما يتجاوز العطر ليصبح بياناً جمالياً قائماً بذاته. فبعيداً عن الصيحات، يجمع بينهما وفاء نادر لما هو سامٍ، ولإبداع حرّ ينبض بالشغف والخصوصية.
آن-ليز ترى في العطور الراقية Haute Parfumerie امتداداً طبيعياً للهوت كوتور، حيث تتلاقى الحرفيّة الدقيقة مع الخصوصية والابتكار، في مشغل فرنسي تملكه وتديره كعائلة. وهي الرؤية التي تلتقي مع فلسفة رولان، الذي يعتبر أنّ ما جمعهما “لم يكن ليحدث لولا أنها هي، ولولا أنني أنا”.
اليوم، ومع إطلاق عطرهما المشترك في 2025، يتوّج هذا اللقاء مساراً امتدّ لسنوات، مبنيّاً على احترام متبادل ورغبة صادقة في خلق تجربة حسّية أصيلة. إنه أكثر من تعاون، إنه حوار بين روحين تقاتلان من أجل الجمال الحقيقي، بلا مساومة.
رائحة الحكاية المكتوبة… رولان يجد صوته العطري
بالنسبة لستيفان رولان، لا يختلف تصميم العطر عن ابتكار قطعة أزياء راقية. فكما يبدأ المصمّم بنسيج خام، ويمنحه شكلاً وحركة من خلال توازنات دقيقة بين التباين والانسجام، كذلك وُلِد هذا العطر من تفاعل العاطفة مع البنية، من ترجمة الإحساس إلى مجسّمات حسّية وروائح نابضة بالحياة.
ومع أنّ التجربة كان يُفترض أن تبدو مألوفة، فقد جاءت غريبة تماماً، فريدة في طابعها، تأملية في عمقها، ومقلقة بعض الشيء بالنسبة إلى ستيفان رولان، الذي قال: “شعرت كأنني طفل يتعلّم القراءة أو الكتابة من جديد”. فالتعاون مع دار هنري جاك لم يكن مجرد تمرين إبداعي، بل انخراطاً في مقاربة حسّية وعاطفية خالصة، تطلّبت منه أن يغوص في ذاكرته، ويعيد وصل ما انقطع من شذرات ماضيه، وأن يرسم خطوطاً جديدة بين تجاربه، ويستسلم لفيض من الأحاسيس التي باغتته، مكتشفاً عطوراً كان يظن يوماً أنه لا يحبّها. ويُعلق ضاحكاً: “كانت التجربة أقرب إلى علاج نفسي منها إلى دورة تذوّق”.
وفي خضمّ هذا المسار، عاد ستيفان رولان إلى ذاته الأولى، إلى البدايات والمساحات الداخلية التي شكّلت شخصه وخياله، فقال: “للمرّة الأولى، أعبّر عن نفسي بكامل طاقتي. كان العطر هو العنصر الغائب في معادلة التعبير عن ذاتي. ربما كان قدري، وربما كانت الحكاية مكتوبة على هذا النحو منذ البداية. لكي أبلغ حقيقتي، كنت بحاجة إلى هذا الابتكار”.
فهذا العطر ليس مجرد توقيع شخصي، بل مرآة لما بناه ستيفان رولان على مدى حياته المهنية. “أنا أصنعه لي، وأصنعه لهم. فكما كرّستُ حياتي في الهوت كوتور للمرأة، أكرّس هذا العطر لكلّ من يملك الشجاعة لاحتضان العواطف والقناعات المختزَنة في نفسه”.