عروض أسبوع باريس للأزياء الراقية: مزيج ساحر بين التقليدية والابتكار
قدّم أسبوع باريس للأزياء الراقية لموسمي خريف وشتاء 2026-2025 مزيجًا ساحرًا بين الأناقة التقليدية والابتكار الجريء، مستعرضًا قدرة الأزياء الراقية على تحويل القصص الثقافية والتاريخية إلى قطع فنية حقيقية تُجسّد المفاهيم على أبهى مستوى.
بداية التغييرات ا|لإبداعية
كان أسبوع الأزياء الراقية أشبه بمسرحية، حيث حوّلت دور الأزياء العاطفة إلى تطريز، ومنصات العرض إلى أعمال فنية. وقد شهد أسبوع باريس للأزياء الراقية لموسمي خريف وشتاء 2026-2025 الكثير من اللحظات التاريخية كان عنوانها الانتقال القيادي والتجديد. فهذه الدورة كانت نقطة بداية لتغييرات إبداعية في دور عالمية مثل ديور، شانيل، بالنسياغا وسيلين مع انطلاق رؤَى جديدة وإعادة تعريف للأصول .
وقد عبّر الرئيس التنفيذي لاتحاد الأزياء الراقية والموضة -الهيئة المنظمة لعالم الموضة في فرنسا، باسكال موران عن ميّزات هذه الدورة قائلاً: “هذا الأسبوع يتميّز بإبداع لا مثيل له، وتنوّع، وخبرة فنية رفيعة، حيث تحتلّ المهارات الحِرفية والمشاغل الفنية مكانة محورية.” وبالفعل شهد جدول هذا الموسم الذي ضمّ 27 عرضًا العديد من اللحظات التي لا تنسى.
غياب ديور
تغيّبت ديور عن أجندة الأزياء الراقية هذا الموسم، وبينما ظهر مديرها الإبداعي الجديد جوناثان أندرسون لأول مرة مع العلامة التجارية الشهر خلال أسبوع الموضة الرجالية، إلا أنه ليس مستعدًا تمامًا لعرض مجموعته من الأزياء الراقية بعد. كذلك، أخذت علامة جان بول غولتييه إجازة هذا الموسم، حيث يواصل مصممها الجديد دوران لانتينك البحث عن موطئ قدم له قبل إطلاق مجموعته الأولى من الملابس الجاهزة في سبتمبر.
سكابارييلي تفتتح العروض
افتُتحت عروض موسمي خريف وشتاء 2026-2025 للأزياء الراقية كما كان متوقعًا تمامًا بمجموعة من دانيال روزبيري في دار سكياباريلي.
حملت مجموعة دار Schiaparelli الجديدة للهوت كوتور عنوان العودة إلى المستقبل. بإبداعه المعروف وجرأته الجمالية، استحضر دانيال روزبيري روح مؤسِّسة الدار إلسا سكياباريلي، ليستكشف من خلال هذه المجموعة العلاقة الجدلية بين الماضي والمستقبل، الفن والموضة، الخيال والواقع.
سيطرت على المجموعة ثنائية الأبيض والأسود، كخيار جمالي واعٍ يعكس الرغبة في تجريد التصاميم من الزمن، والسماح لها بالتحدث بلغة المفهوم. اختفى اللون، لتحل محله التفاصيل المعمارية، والأقمشة الفاخرة مثل التول الشفاف، الكريب، الساتان، والفراء، إضافة إلى الزينة المعقدة من اللؤلؤ والخرز والمرايا. كما برزت بعض الإطلالات الجريئة باللون الأحمر لتكسر الكلاسيكية.
شانيل تحتفل بـ110 أعوام في عالم الأزياء المصممة حسب الطلب
قدمت شانيل مجموعة استديو أخرى قبل أن يتولى ماثيو بلازي إدارتها لاحقًا هذا العام. وجاءت دعوة عرض أزياء شانيل الراقية مصحوبة بإضافة مميزة: طبعة مسبقة من كتاب شانيل للأزياء الراقية، وهو كتاب طاولة قهوة مغلف بالذهب، حررته صوفيا كوبولا احتفالاً بالذكرى السنوية الـ 110 لقسم الأزياء حسب الطلب في الدار.
خرجت العارضات من مدخل مزخرف، متألقات بفساتين طويلة التنانير من قماش التويد الناعم، مع لمسات من البريق وخصلات من الريش. ووضعن كعكات شعر مشدودة وأحذية طويلة، تركت آثارًا على شكل حرف U في الكعب على السجادة الفخمة.
كانت الألوان هادئة، معظمها من العاجي والبيج والبني، لكن فستانًا حريريًا واحدًا جاء باللون الأزرق الفضي الباهت تحت سترة قصيرة صفراء اللون بياقة بارزة من الريش.
العرض الأخير لديمنا في دار بالنسياغا
قدّم ديمنا عرضه الأخير لدار بالنسياغا، من خلال مجموعة ساحرة تُعدّ تكريمًا مناسبًا لرحيله والتي كانت جديرة بالاحتفال. قطع رائعة احتفت بفترة عمله في بالنسياغا. ومن الجدير ذكره أن الجميع يتطلع حاليًا لما سيقدّمه ديمنا في تعاونه المستقبلي مع غوتشي.
غلين مارتينيز يقدّم عرضه الأول لميزون مارجيلا
وداع ديمنا قابله استقبال غلين مارتينيز كمدير إبداعي لدار ميزون مارجيلا. ويواجه مارتينز مهمةً كبيرة، فآخر عرضٍ قدمته مارجيلا كان عرض جون غاليانو المذهل لعام ٢٠٢٤وهو يُعتبر أحد أكثر مصممي الأزياء الراقية إنتاجًا في عصرنا. وقد اعتُبر تفسير غلين للعلامة التجارية ناجحًا، حيث استفاد من رموز الدار. لا يمكن وصف المجموعة الجديدة بأي حال من الأحوال بأنها نسخة من عمل مصمم الدار الأساسي مارتينيز، ولكنه ببساطة إعادة تقديم للتصاميم التي ضمنت أن تبقى ميزون مارتن مارجيلا خالدة إلى الأبد. وكان العرض بمثابة مقدمة قوية لمدير إبداعي جديد، ونحن نتطلع إلى مجموعته القادمة.
ستيفان رولان: تصاميم متقنة وحالمة
يُجسّد ستيفان رولان التكرار الآسر لموسيقى رافيل في ملابس تتميز بوضوح ميكانيكي. خياطته تُعبّر عن نفسها ببلاغة – بدلات توكسيدو ذات ياقات مبالغ فيها، وفساتين مكشوفة الظهر تُحدّدها ياقات منحوتة، وجمبسوت نصف دائريّ يمشي كالمنحوتات الحركية. كل شيء يتحرك بدقة ، ومع ذلك ينبض بروح الباروك.
الأسود، هو النغمة السائدة في المجموعة، كذلك تألق اللون الأحمر على منصة العرض بنفحات زاهية، في إشادة متناغمة بشغف إسبانيا ونبض بوليرو الناري. تتباهى المعاطف المستوحاة من مصارع الثيران بتطريزات مزخرفة، بينما تُزيّن الفساتين بالمرجان والكريستال التي تتلألأ كفولكلور إسباني. تُضفي عباءات الساموراي – المُرصّعة بالترتر الأسود والشفاف – لمسةً يابانية، مُعززةً حوار الشرق والغرب، والماضي والمستقبل الذي يُغذّي طاقة المجموعة الآسرة.
تكمن براعة رولان في قدرته على موازنة التوتر مع الزخرفة. تُصمّم تصاميمه كالآلات، لكنها تُنجز بإتقانٍ كالأحلام. تتفتح أزهار عملاقة من الخصر، وتمتد خيوط حريرية كحركات راقصة مُصممة، وتضفي الإكسسوارات – دبابيس الماس، والميداليات الذهبية، والسترات الاحتفالية – إشراقة على المشهد.
مجموعة راهول ميشرا تستحضر مراحل الحب السبع
في اليوم الأول من أسبوع باريس للأزياء الراقية، عرض راهول ميشرا أحدث مجموعاته، Becoming Love، في كلية برناردان في باريس. وهي مجموعة تستكشف مراحل الحب السبع، مستوحاة من الصوفية.
وقد استوحى راهول هذه المجموعة المذهلة من مصادر متنوعة، بما في ذلك أعمال الفنان الرمزي النمساوي غوستاف كليمت. ويتجلى فن غوستاف كليمت بوضوح في استخدام الخيوط الذهبية، والشباك المنحنية، والهياكل الشبيهة بالهالات التي زينت الملابس.
وفقًا لميشرا، يُفصّل التصوف تطور الحب عبر سبع مراحل: الانجذاب، والعشق، والاستسلام، والتبجيل، والإخلاص، والهوس، وأخيرًا الموت.
افتتح العرض بفستان على هيئة قلب ذهبي مجوّف يحيط بالجذع، بدا وكأنه درعٌ رقيق أو سجن من الحنين. هذه الإطلالة كانت بمثابة بيان افتتاحي قوي عن الموضوع المحوري للمجموعة، الحب بجنونه، وهشاشته، ودراميّته.
وفي الفساتين التالية، تحولت العواطف إلى فسيفساء لونية تتراقص على أقمشة حالمة، كانت أنماط التكرار والتراكم تُحاكي تصاعد المشاعر، فالهوس كان يُجسّد في زخارف مذهّبة تتكاثف حتى تخنق حدود الفستان، وكأن الحب ذاته يفيض عن الجسد ولا يُحتمل.
تصاميم فيكتور آند رولف: ازدواجية الشكل والمعنى
اختار الثنائي الهولندي فيكتور آند رولف Viktor and Rolf أن يقدّم قراءة مختلفة لمفهوم التحوّل، عبر فكرة بصريّة تقوم على التناقض بين الانتفاخ والتفريغ.
تمحورت الفكرة الأساسية حول تقديم كلّ إطلالة مرّتين، ومن خلال هذه المقارنة، طرح المصمّمان تساؤلات حيال الازدواجيّة في الشكل والمعنى، وعمّا يظلّ في اللباس حين يُجرّد من عناصر الزينة.
حمل العرض إشارات إلى رموز مختلفة، منها “الطيور الغاضبة” ومواضيع عن الازدواجية التي لطالما رافقت أسلوب فيكتور آند رولف. بدت الإطلالات المنتفخة غنيّة بصرياً، لكنّها لم تصل إلى مستوى الإبهار الكامل، فيما جاءت النسخ المفرّغة أكثر أناقة وهدوءاً، إنّما أقل تأثيراً من الناحية البصرية.
وكان لافتًا غياب الماكياج والقبعات في النسخ الثانية من الإطلالات، ما عزّز الإحساس بالخفة، ولكن أيضاً بالفراغ والانعزال.
رامي العلي أول مصمّم سوري في اتحاد الخياطة
في لحظة مميّزة توّجت مسيرته المليئة بالإنجازات الكبيرة، كشف المصمّم السّوري العالمي رامي العلي في باريس عن مجموعته الجديدة للأزياء الراقية لمسمي خريف وشتاء 2026-2025، وذلك في عرضٍ مذهلٍ ترجم الحرفية العالية في عالم الأزياء الراقية.
المجموعة المستوحاة من وطنه الأم، كانت غنيّة بعناصر الجمال الكلاسيكي الشرقي، وقد دمجها رامي العلي برؤية حديثة تنسج التقاليد بخيوط المستقبل. الأقمشة الفاخرة من الكريب، الحرير، الدانتيل، والشيفون المطرّز انسكبت على أجساد العارضات بانسيابية رائعة، فيما أضفى التلاعب بالضوء والظل من خلال الترتر والكريستال والحبكات المبتكرة بُعداً زخرفياً فنياً لافتاً على كل إطلالة.
مجموعة آشي ستوديو تعيد ابتكار باريس القديمة
قدّم المصمّم السعودي العالمي محمد آشي مجموعة من التصاميم الباهرة، جمعت بين الترف الفرنسي واللمسة الشرقيّة التي ميّزت آشي ستوديو Ashi Studio منذ انطلاقتها.
بدت التصاميم التي استوحاها محمد آشي من الثقافات القديمة وأعمال المصوّرين المبدعين في باريس، وكأنها تحتفي بالإغراء المقنّع والبذخ المتحفّظ من خلال مزيجٍ آسر من الكورسيهات الدقيقة التي تنحت القوام بأسلوب أنثوي جذاب مقرونة بتنانير غير متماثلة الطول، تبرز فيها تفاصيل كبيرة إما على شكل قطارٍ طويل منفوخ من الخلف أو مزيّن بأشكال فنيّة مبتكرة أو طبقات من الكشاكش.
أمّا الفساتين فجاء معظمها بقصّات تعانق الجسم وتنوّعت بين القصير والطويل، بعضها مع تفصيل الكشاكش أوأنسجة هدلة بطيّات عريضة، أو مشقوقة بشكل يكشف الساقين، أو بنمط حورية البحر.
كذلك، برزت في مجموعة الكوتور، السراويل الأنيقة بقصّات مريحة تمّ تنسيقها إمّا مع سترات ضخمة مبطّنة ومزخرفة، أو كورسيه مبتكر، أو سترة مفتوحة بدون كُمّيّن مميّزة بتوليفة فريدة وتطريز أنيق أعاد من خلاله محمد آشي صياغة الحلم الباريسي بلغته الخاصة، حيث لا تكون الأناقة مجرّد مظهر، بل تجربة تُحفر في الذاكرة.
وتألقت المجموعة بأقمشة فاخرة ولعب بذكاء على تباين الخامات من المخمل والدانتيل، إلى الحرير والساتان، التول والشبك المحبوك … وغيرها من الأنسجة التي أغنتها التطريزات اليدويّة الرائعة وتفاصيل الريش، والزخرفات الناتئة التي تمّ تنفيذها بمهارة حرفية عالية تحاكي لوحات فنيّة ناطقة. أما الألوان فتنوّعت بين الظلال الداكنة ومنها الأسود والبنّي بلون الشوكولاتة، وتلك الحالمة كالأبيض، البيج، العاجي. كذلك، برزت التأثيرات المعدنيّة من فضّي، وذهبي، وبرونزي فاتح، مقابل حضور خجول للون العنّابي.