الطعام الحقيقي مفتاح خسارة الوزن ومكافحة إدمان الأطعمة فائقة المعالجة
في عالم يزداد فيه الاعتماد على الوجبات السريعة والأطعمة الجاهزة، تبرز دراسة حديثة كاشفة عن أهمية ودور الطعام المطبوخ في المنزل أو ما يُطلق عليه الطعام الحقيقي، في معركة خسارة الوزن ومكافحة ما يمكن وصفه بإدمان الأطعمة فائقة المعالجة. فبينما تتفاقم معدلات السمنة والأمراض المرتبطة بها، يقدم هذا البحث العلمي بصيص أمل وحلولاً عملية تبدأ من مطبخ المنزل.
دراسة رائدة: الطعام المطبوخ يضاعف خسارة الوزن
View this post on Instagram
كشفت دراسة حديثة، نُشرت في مجلة Nature المرموقة، عن نتائج لافتة تؤكد أنّ الاعتماد على الطعام المطبوخ في المنزل وتجنّب الأطعمة فائقة المعالجة والجاهزة، لا يساهم فقط في خسارة الوزن، بل يضاعف هذه الخسارة بشكل ملحوظ.
الدراسة، التي قادها خبراء من كلية لندن الجامعية ومؤسسة مستشفيات كلية لندن الجامعية (UCLH)، قارنت بين نظامين غذائيين على مدار ثمانية أسابيع، وخلصت إلى أنّ تجنّب الأطعمة فائقة المعالجة ساهم بشكلٍ مباشر في الحدّ من الرغبة الشديدة في تناول الطعام، وزيادة فقدان الوزن، وتحسين فقدان الدهون.
وشملت الدراسة 55 شخصًا يعانون من زيادة الوزن ولكنهم يتمتعون بصحة جيدة. تم تقسيم المشاركين إلى مجموعتين: الأولى اتبعت نظامًا غذائيًا يعتمد على أطعمة قليلة المعالجة مثل الشوفان المطبوخ وسلطة الدجاج المعدة منزليًا. أما المجموعة الثانية، فتناولت نظامًا غذائيًا يتكون من أطعمة فائقة المعالجة مثل ألواح البروتين الجاهزة، السندويشات المعبأة، واللازانيا المخصصة للميكروويف. اللافت في الدراسة أنّ كلا النظامين الغذائيين كانا متطابقين من الناحية الغذائية، ويحتويان على نفس المستويات الموصى بها من الدهون، البروتين، الكربوهيدرات، الملح، والألياف.
النتائج جاءت حاسمة
بموجب هذه الدراسة، جاءت النتائج مشجعة وحاسمة، حيث فقد الأشخاص الذين اتبعوا النظام الغذائي قليل المعالجة ضعف الوزن (2.06%) مقارنة بمتبعي حمية الأطعمة فائقة المعالجة (1.05%). وأشار الباحثون إلى أنّ متبعي النظام الغذائي عالي المعالجة لم يفقدوا القدر نفسه من الدهون، ما يؤكد على جودة الخسارة في المجموعة الأولى.
تأثيرات صحية أوسع: كبح الشهية والوقاية من الأمراض
الدكتور صموئيل ديكن، من مركز أبحاث السمنة بكلية لندن الجامعية، علّق على النتائج قائلاً: “ربطت الأبحاث السابقة الأطعمة فائقة المعالجة بنتائج صحية سيئة”. وأوضح أنّ انخفاض الوزن بنسبة 2% خلال ثمانية أسابيع يمثل خسارة مهمة. وتوقع ديكن أنه إذا تم توسيع نطاق هذه النتائج على مدار عام، فسيشهد الرجال انخفاضًا في الوزن بنسبة 13% والنساء بنسبة 9% عند اتباع النظام الغذائي قليل المعالجة، بينما لن يتجاوز الانخفاض 4% للرجال و5% للنساء عند اتباع النظام الغذائي فائق المعالجة.
الأهم من ذلك، كشف استبيان أُجري ضمن الدراسة أنّ الأشخاص الذين اتبعوا نظامًا غذائيًا يعتمد على الحد الأدنى من الأطعمة المعالجة، كانت لديهم رغبة أقل في تناول الطعام مقارنة بمن يتبعون نظامًا غذائيًا يتكوّن من وجبات جاهزة ووجبات خفيفة معبأة. هذا يؤكد على أنّ الأطعمة الطبيعية تمنح شعورًا بالشبع يدوم لفترة أطول.
فهم إدمان الأطعمة فائقة المعالجة
الأطعمة فائقة المعالجة هي تلك الغنية بالدهون المشبعة، الملح، السكر، والمواد الحافظة، وهي غالبًا ما تكون جاهزة للأكل أو للتسخين، مثل الشطائر الجاهزة، ألواح البروتين، والنودلز المعلبة. هذه الأطعمة، على الرغم من كونها عملية ولذيذة وذات عمر تخزيني طويل، إلا أنها تحمل في طياتها خطرًا خفيًا: إدمان الأغذية المصنعة. يُعرّف هذا الإدمان بأنه الاستهلاك المفرط وغير المنضبط للأطعمة المصنعة وصعوبة الإقلاع عن هذه العادة الاستهلاكية.
ينشأ هذا الإدمان بسبب التركيزات العالية من السكر، الملح، الدهون، والمواد المضافة ومحسنات النكهة الاصطناعية التي تُصمم خصيصًا لتحفيز مراكز المكافأة في الدماغ. تتعدد عوامل الخطر التي تزيد من احتمالية الإصابة بهذا الإدمان، منها: عادات الأكل المنتظمة لهذه الأطعمة، الإجهاد والحالة العاطفية، التعرض المبكر لها في الطفولة، سهولة الوصول إليها وتوافرها بأسعار معقولة، العوامل البيئية المحيطة، وحتى العوامل الوراثية.
والاستهلاك المفرط لهذه الأطعمة لا يؤثر فقط على الوزن، بل يزيد من خطر الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة، منها: السمنة، مرض السكري من النوع الثاني، أمراض القلب، ارتفاع ضغط الدم، مشاكل الجهاز الهضمي، ضعف الجهاز المناعي، وزيادة خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان. كما يمكن أن يؤثر سلبًا على الصحة العقلية، ويزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق.
ولتقليل الرغبة الشديدة في تناول الأطعمة المصنعة، يُنصح بالتركيز على الأطعمة الكاملة الغنية بالألياف والبروتين التي تمنح شعورًا بالشبع، وشرب كميات كافية من الماء، وتجنب محفزات الرغبة الشديدة مثل التوتر أو الملل، والبحث عن بدائل صحية عند الشعور بالجوع.
تؤكد هذه الدراسة أنّ العودة إلى الطعام الحقيقي والمطبوخ في المنزل ليست مجرد خيار صحي، بل هي استراتيجية فعالة ومضاعفة لخسارة الوزن، وتحسين الصحة العامة، ومكافحة ظاهرة إدمان الأطعمة فائقة المعالجة التي تهدد صحة المجتمعات الحديثة.