Bruce Clay

الدماغ لا يشيخ بالتساوي: دراسة تكشف انكماشاً أسرع في أدمغة الرجال

دراسة تكشف انكماشاً أسرع في أدمغة الرجال مقارنةً بالنساء – مصدر الصورة: Pinterest
دراسة تكشف انكماشاً أسرع في أدمغة الرجال مقارنةً بالنساء – مصدر الصورة: Pinterest

في اكتشاف علمي قد يغير فهمنا لشيخوخة الدماغ والأمراض العصبية، كشفت دراسة دولية حديثة أنّ أدمغة الرجال تنكمش بوتيرة أسرع وأكثر انتشاراً من أدمغة النساء مع التقدم في العمر. هذا التباين البيولوجي الممنهج، الذي وصفه العلماء بالفارق الجوهري، يفتح الباب أمام تساؤلات جديدة حول الفروق بين الجنسين في الصحة الدماغية، خاصة فيما يتعلق بمرض ألزهايمر. لطالما اعتُبر التقدم في العمر العامل الرئيسي في تطور الأمراض التنكسية العصبية، لكن النتائج الجديدة تشير إلى أنّ الصورة أكثر تعقيداً مما كان يُعتقد، وأنّ الجنس يلعب دوراً محورياً في كيفية شيخوخة الدماغ.

نتائج بحثية مفاجئة

 
 
 
 
 
View this post on Instagram
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

A post shared by Nature (@nature_the_journal)

قاد فريق بحثي دولي من جامعة أوسلو في النرويج، بالتعاون مع علماء من جامعة سيدني الأسترالية، تحليلاً معمقاً لأكثر من 12 ألف صورة بالرنين المغناطيسي (MRI) تم جمعها من 4,726 شخصاً تتراوح أعمارهم بين 17 و95 عاماً. جميع المشاركين في الدراسة كانوا يتمتعون بوظائف إدراكية سليمة، وخضع كل منهم لفحصين متتاليين بفاصل زمني متوسط يبلغ ثلاث سنوات. بعد مراجعة دقيقة للصور، خلص الباحثون إلى نتائج مفاجئة، حيث أظهر الرجال تراجعاً في عدد أكبر من مناطق الدماغ، خصوصاً في القشرة المخية المسؤولة عن الذاكرة واتخاذ القرار والإدراك الحسي. وبيّنت الدراسة أنّ القشرة خلف المركزية تفقد نحو 2% من حجمها سنوياً لدى الرجال، مقابل 1.2% لدى النساء. في المقابل هناك استقرار نسبي لدى النساء، ولوحظ أنّ التغيرات أقل عدداً وأبطأ وتيرة، كما أنّ سماكة القشرة الدماغية بقيت أكثر استقراراً بمرور الوقت. وأكد الباحثون المشاركون في الدراسة أنّ هذه النتائج تقدّم أول دليل منظم على أنّ الشيخوخة الدماغية تسير بمسارين مختلفين لدى الرجال والنساء. وهذا قد يفسّر جزئياً بعض الفوارق في الأمراض العصبية المرتبطة بالعمر.

المفارقة: ألزهايمر أكثر شيوعاً بين النساء رغم بطء انكماش أدمغتهن

 
 
 
 
 
View this post on Instagram
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

A post shared by neuro42 (@neuro42inc)

تكمن المفارقة في أنّ هذه النتائج تأتي في ظل حقيقة أنّ النساء يُصبن بمرض ألزهايمر بمعدل يعادل ضعفي الرجال. هذا التناقض الظاهري دفع الباحثين إلى استنتاج أنّ سرعة ضمور الدماغ ليست العامل الوحيد في تحديد خطر الإصابة بألزهايمر. ولاحظ الباحثون أنه لم تُسجَّل فروق في حجم منطقة الحُصين، وهي الجزء المرتبط بالذاكرة والتعلم، إلا في الأعمار المتقدمة جداً. في هذه المرحلة، يبدأ الحُصين في التراجع بشكل أسرع لدى النساء، وهو ما يُعزى إلى طول أعمارهن النسبي. فقد أظهرت البيانات أنّ الحُصين ينكمش بنسبة 1.5% لدى الرجال و0.9% لدى النساء. هذا التباين يشير إلى أنّ عوامل أخرى غير الانكماش الدماغي المباشر تلعب دوراً حاسماً في تحديد قابلية الإصابة بالأمراض التنكسية العصبية. يرجّح الباحثون أنّ الفروق قد تعود إلى التغيرات الهرمونية لدى النساء، خاصة بعد انقطاع الطمث، قد تؤثر على صحة الدماغ. بالإضافة إلى طول العمر، بما أنّ النساء يعشن فترة أطول في المتوسط، فإنهن يتعرضن لخطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالشيخوخة لفترة أطول. إلى جانب  تأخر ظهور أعراض الشيخوخة العصبية لدى النساء في مراحل متأخرة، ما يعطي انطباعاً بأنّ المرض أكثر شيوعاً لديهن. ولا يمكن إغفال العوامل الجينية، وتحديداً الجين APOE4، الذي يزيد خطر الإصابة بالخرف، يُظهر تأثيراً أقوى لدى النساء، ما يجعلهن أكثر عرضة للمرض عند وجود هذا الجين.

تجاهل الفروق الجنسية: انحياز بحثي خطير

تجاهل الفروق بين الجنسين في الأبحاث العصبية يهدد دقة التشخيص وفعالية العلاج - مصدر الصورة: Pinterest
تجاهل الفروق بين الجنسين في الأبحاث العصبية يهدد دقة التشخيص وفعالية العلاج – مصدر الصورة: Pinterest

إلى ذلك، أشارت الدراسة، المنشورة في دورية PNAS العلمية، إلى أنّ الأبحاث العصبية ما زالت تعاني من انحياز واضح ضد دراسة الفروق الجنسية. فنسبة الدراسات التي تأخذ هذا العامل في الاعتبار لا تتجاوز 5% فقط من أبحاث علم الأعصاب والطب النفسي المنشورة حتى عام 2019. هذا التجاهل، حذر منه العلماء، وقد يؤدي إلى عواقب خطيرة على صحة النساء والرجال على حدٍّ سواء، خاصة في مجالات تشخيص الخرف والوقاية من التدهور الإدراكي. فعدم فهم كيفية تأثير الجنس على شيخوخة الدماغ وتطور الأمراض يعني أنّ العلاجات والتدخلات قد لا تكون فعالة بنفس القدر لكلا الجنسين.

تداعيات عميقة وآفاق مستقبلية

فهم الفروق بين أدمغة الجنسين يمهّد لتطوير علاجات مخصصة - مصدر الصورة: Pinterest
فهم الفروق بين أدمغة الجنسين يمهّد لتطوير علاجات مخصصة – مصدر الصورة: Pinterest

يرى الباحثون أنّ النتائج الجديدة تمهّد الطريق لأبحاث أعمق لفهم كيف تؤثر العوامل الهرمونية والوراثية والبيئية في بنية الدماغ، وكيف يمكن إبطاء الانكماش الطبيعي المرتبط بالعمر. ويأمل الفريق في أن تساعد هذه النتائج على تطوير علاجات موجهة بحسب الجنس للأمراض العصبية المرتبطة بالشيخوخة مثل ألزهايمر وباركنسون. إنّ فهم هذه الفروق الدقيقة بين أدمغة الرجال والنساء ليس مجرد فضول علمي، بل هو ضرورة قصوى لتقديم رعاية صحية دماغية أكثر فعالية وتخصيصاً، تضمن لكل فرد شيخوخة صحية قدر الإمكان.