الحميات القاسية قد ترتبط بالاكتئاب: مخاطر خفية تهدد الصحة النفسية
في عالم يلهث خلف الرشاقة والمثالية الجسدية، أصبحت الحميات الغذائية منخفضة السعرات الحرارية ركيزة أساسية في رحلة فقدان الوزن. لكن ماذا لو كانت هذه الرحلة، التي نتوخى منها الصحة والجمال، تحمل في طياتها مخاطر غير متوقعة على صحتنا النفسية؟ دراسة أميركية حديثة، قد تقلب الموازين، تشير إلى صلة مقلقة بين الأنظمة الغذائية المقيدة وارتفاع احتمالات ظهور أعراض الاكتئاب، لا سيما لدى فئات معينة. فهل بات السعي وراء الوزن المثالي على حساب المزاج العام؟ وما هي الآليات التي تربط بين ما نأكله وحالتنا النفسية؟ هذا التحقيق يستعرض تفاصيل هذه الدراسة، ويحاول الإجابة عن هذه التساؤلات الملحة.
تفاصيل الدراسة
View this post on Instagram
نشرت المجلة العلمية المفتوحة BMJ Nutrition Prevention & Health نتائج دراسة أميركية واسعة النطاق، حللت بيانات أكثر من 28 ألف شخص بالغ شاركوا في الدراسة الوطنية الأميركية للفحص الصحي والتغذوي (NHANES) بين عامي 2007 و2018. اعتمد الباحثون على استبيان PHQ-9 الطبي لتقييم شدة أعراض الاكتئاب، مصنّفين الأنظمة الغذائية إلى أربع فئات رئيسية: مقيدة بالسعرات، مقيدة بالعناصر مثل الكوليسترول أو الكربوهيدرات، طبية معتمدة مرضى السكري مثلاً، وأشخاص لا يتبعون أي نظام.
نتائج واضحة ومثيرة للقلق
View this post on Instagram
النظام الغذائي المقيد بالسعرات ارتبط بزيادة ملحوظة في أعراض الاكتئاب، خاصة في الجوانب الإدراكية والعاطفية كتدني الحالة المزاجية واضطراب التركيز. اللافت أنّ الرجال الذين اتبعوا هذه الأنظمة كانوا الأكثر تأثراً، سواء من حيث الأعراض الإدراكية أو الجسدية. كما سجل الأشخاص الذين اتبعوا أنظمة طبية معتمدة، خصوصاً من يعانون السمنة، ارتفاعاً في الأعراض الجسدية والانفعالية مقارنة بمن يتمتعون بوزن طبيعي.
التناقضات والتفسيرات
كيف يمكن تفسير هذه النتائج في ظل دراسات سابقة أشارت إلى أنّ الحميات منخفضة السعرات قد تحسن الحالة النفسية؟ الباحثون أنفسهم أقروا بأنّ دراستهم قائمة على الملاحظة ولا تثبت علاقة سببية مباشرة، مشيرين إلى احتمال وجود تحيزات في تصنيف المشاركين لأنظمتهم الغذائية. لكن التفسير الأهم يكمن في نوعية الحمية. يرى الفريق البحثي أنّ الدراسات السابقة التي أظهرت تحسناً نفسياً كانت تعتمد غالباً على أنظمة غذائية متوازنة ومصممة بعناية تحت إشراف متخصصين. في المقابل، قد يؤدي اتباع أنظمة مقيدة وعشوائية، يفتقر فيها الجسم لعناصر غذائية أساسية كالبروتين والفيتامينات والمعادن، إلى تفاقم أعراض الإجهاد الذهني والنفسي.
مخاطر اليويو دايت
View this post on Instagram
لم يغفل الباحثون عوامل نفسية أخرى تساهم في هذه المعادلة المعقدة. الإحباط الناجم عن صعوبة فقدان الوزن، أو المرور بتجارب متكررة من فقدان واستعادة الوزن، المعروفة باليويو دايت، يمكن أن يكون دافعاً قوياً نحو الاكتئاب. هذا التذبذب في الوزن، وما يصاحبه من شعور بالفشل، يترك بصمته السلبية على الصحة النفسية.
الفروقات بين الجنسين
لماذا الرجال أكثر عرضة؟ الدراسة سلطت الضوء أيضاً على الفروقات بين الجنسين، مشيرة إلى أنّ العناصر الحيوية مثل الغلوكوز وأحماض أوميغا-3 الدهنية قد تكون أكثر تأثيراً في الرجال. هذا يشير إلى أنّ احتياجات الرجال الغذائية قد تكون أعلى للحفاظ على وظائف الدماغ والمزاج العام، ما يجعلهم أكثر عرضة للتأثر بالنقص الغذائي الناتج عن الحميات القاسية. تدق هذه الدراسة ناقوس الخطر، وتدفعنا لإعادة التفكير في مفهوم الصحة الشاملة التي لا تقتصر على الوزن أو المظهر الخارجي. فبينما نسعى جاهدين لتحقيق أهدافنا الجسدية، يجب ألا نغفل عن الأثر العميق لما نأكله على عقولنا ومزاجنا. إنها دعوة للبحث عن التوازن، والتشاور مع المختصين قبل الشروع في أي نظام غذائي مقيد، لضمان أن تكون رحلة الصحة شاملة، جسدياً ونفسياً. فهل حان الوقت لنتوقف ونسأل: هل تدفعنا رغبتنا في الرشاقة نحو هاوية الاكتئاب؟