Bruce Clay

العوامل التي تعزّز جودة النوم.. لحياة أكثر صحة، نشاطًا وإنتاجية

تعزيز النوم بالغ الأهمية كونه يحسّن الصحة ويحفّز الإنتاجية

تتجاوز اضطرابات النوم ما نعرفه بالأرق، لتشمل أكثر من 80 نوعًا، بعضها أكثر شيوعًا من الآخر مثل توقف النفس أثناء النوم ومتلازمة تململ الساقين اي عدم القدرة على مقاومة تحريك الساقين أو السير أثناء النوم أو حتى فرط النوم.

وتعود أسباب العديد من اضطرابات النوم إلى عوامل داخلية وقد تكون مرضية، أو أخرى خارجية تتعلق بالبيئة المحيطة.

ويعدّ الأرق أحد أبرز أسباب الحرمان من النوم الذي لا يحمل إلا العواقب الوخيمة على الصحة؛ فبينما تتفق البحوث على أن ما قد يصل إلى نصف سكان العالم يعانون من الأرق، تؤكد الدراسات جميعها على أن كوريا الجنوبية واليابان تتقدّم قائمة أكثر الدول حرمانًا من النوم.

أما عربيًا، فما تزال اضطرابات النوم مشكلة تفتقر إلى التشخيص والاهتمام، وتشير بعض الإحصاءات غير الرسمية، إلى أن دول الخليج ومصر هي الأكثر حرمانا من النوم. فبحسب دراسة صادرة عن مدينة الملك فهد الطبية عام 2016، يعاني نحو 41 في المئة من السعوديين الذين يبلغ متوسط أعمارهم 34 سنة، من اضطرابات النوم. فكيف يمكن التغلب على الأرق والتمتّع بنوم عميق؟ للتعرّف أكثر على هذه المشكلة رافقونا في هذا الحديث مع طارق عبد العزيز، المدير العام لشركة “بي آند جي هيلث”.

طارق عبد العزيز، المدير العام لشركة بي آند جي هيلث

هل يمكنك إخبارنا عن الآثار السلبية للحرمان من النوم على الأفراد والمجتمع؟

الحرمان من النوم له عواقب وخيمة على الأفراد والمجتمع، إذ أظهرت الدراسات البحثية أن الحرمان من النوم يمكن أن يؤدّي إلى خفض الإنتاجية وإضعاف القدرات الإدراكية وزيادة خطر الحوادث، بالإضافة إلى الآثار السلبية الإجمالية على الصحة العامة والرفاهية.

 كما يؤثر الحرمان من النوم على الواقع الاجتماعي بشكل إجمالي، وذلك بحسب الدراسات ذات الصلة بالنوم والتي نشرتها كل من “بي آند جي هيلث” و”Ipsos”. وتعدّ عملية تعزيز النوم من الأمور البالغة الأهمية، نظراً إلى دورها الحيوي في تحسين صحة الفرد وتحفيز إنتاجيته.

ما هي العوامل التي يمكنها التأثير سلبًا على نوعية النوم؟

تختلف المشاكل ذات الصلة بالنوم على نطاق واسع، إذ يرتبط كل منها بأعراض وأسباب متنوعة. وتؤثر الاضطرابات الناجمة عن العمل بنظام الورديات، والرحلات الجوية الطويلة، والتوقيت غير المنتظم للنوم على ٣٠-٣٦ في المئة من الناس، ما يتسبب بالأرق والتعب في المقام الأول. بينما يعتبر الذعر الليلي والمشي أثناء النوم من المشاكل الأقل شيوعاً، حيث تؤثر على١،٥-٣ في المئة، وغالباً ما تنطوي هذه العوامل على حركات لا إرادية وهلوسات. ويؤثر النعاس المفرط على ١٥- ١٨ في المئة من البشر، ويتسبّب بالنعاس والتعب والتحسس من العوامل الخارجية المختلفة. بينما يعتبر الشخير وتوقف التنفس أثناء النوم من المشاكل الشائعة، إذ تؤثر على حوالي ٣٠،٥ في المئة من الناس، وتنطوي عوارضها على الشخير واللهاث. أخيراً، تؤدّي بعض المشاكل الصحية مثل تشنجات الساق ومتلازمة تململ الساقين التي تنتشر لدى ٤-٦ في المئة من البشر إلى التسبّب باضطرابات النوم، ما يسبب الإرهاق والصداع.

ويمكن أن تتأثر نوعية النوم بعوامل متعدّدة ذات صلة بنمط الحياة، مثل الاستخدام المفرط للأجهزة الإلكترونية قبل النوم، وجداول النوم غير المنتظمة، والعوامل البيئية مثل الضوضاء أو التلوث الضوئي. تم الإبلاغ عن زيادة بنسبة ١٠ في المئة في عدد الأشخاص الذين يستخدمون هواتفهم المحمولة في السرير مقارنة بالعام السابق. وأشار ٧٨ في المئة من المجيبين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى أن هذه العادة تؤدّي إلى تقصير فترات النوم والتأخّر في النوم مقارنة بالوقت المثالي للنوم.

من ناحية أخرى، قد تؤثّر عوامل أخرى، مثل مستويات التوتر العالية وبعض الحالات الطبية والآثار الجانبية للأدوية على جودة النوم. وكشف استطلاع أجرته شركة “Toluna” مع أكثر من ٤٠٠ مستهلك في المملكة العربية السعودية خلال شهر سبتمبر ۲٠۲٠، أن حوالي ۲ من كل ۳ سعوديين يعانون من الأرق، بما في ذلك صعوبة النوم والاستيقاظ ليلاً والشعور بالتعب صباحًا. إلا أن ٥٠ في المئة منهم لم يتخذوا إجراءات تمكنهم من الاستمتاع بجودة أعلى من النوم. وبحسب المجيبين السعوديين، يساعد النوم الجيد خلال الليل على تعزيز النشاط الصباحي وتحسين المزاج، إلى جانب الشعور بالانتعاش والتعافي. إلا أن معظم السعوديين لا ينامون قبل انتصاف الليل بمتوسط ٥إلى ٦ ساعات من النوم خلال أيام الأسبوع.

كيف يمكننا تقييم جودة النوم بدقة؟

اضطرابات العمل والرحلات الجوية الطويلة والتوقيت غير المنتظم عوامل تؤثر في نوعية النوم

يتم تحديد مدى جودة النوم عبر اعتماد عوامل رئيسة عدّة، بما في ذلك كفاءة النوم، إذ يشير معدل ٨٥ في المئة أو أعلى إلى مستوى جيد من الراحة. بينما تتمثل الجوانب الحاسمة الأخرى في الحدّ الأدنى من اضطرابات النوم وفترة كمون النوم في غضون ٣٠ دقيقة، ما يعني سهولة الخلود إلى النوم. ويعدّ الحصول على قسط كاف من النوم أمر بالغ الأهمية، إذ يحتاج البالغون عموماً إلى النوم لمدة تتراوح بين ٧ إلى ٩ ساعات ليلاً، للحصول على النوم الصحي والرفاهية المثلى.

ولتقييم جودة النوم، يستخدم الباحثون وإختصاصيو الرعاية الصحية طرقاً مختلفة، ومن بينها مؤشر بيتسبرغ لجودة النوم (PSQI) الذي طوره Buysse et al. (1989)، وهو استبيان يقيس جوانب متعدّدة من جودة النوم، بما في ذلك مدة النوم واضطرابات النوم والرضا العام عن النوم. بالإضافة إلى ذلك، يتم استخدام مقاييس موضوعية مثل تخطيط النوم والاختبار التشخيصي في البحوث والاختبارات السريرية لتوفير معلومات مفصلة عن أنماط واضطرابات النوم.

ما هي الفئات الأكثر تعرّضاً لمشاكل النوم؟

تعتبر بعض الفئات أكثر تعرضاً للمشاكل الناجمة عن النوم، وغالباً ما يواجه كبار السن مجموعة من التحدّيات ذات صلة بالنوم، بسبب تغيّر أنماط النوم مع التقدّم في السن. ويعاني عمال المناوبة، وخاصة العاملين خلال النوبات الليلية، من انخفاض إفراز الميلاتونين، ما قد يؤثّر على إيقاع الساعة البيولوجية، بالإضافة إلى التأثير على صحة النوم. وكثيراً ما يواجه الطلاب مشاكل في النوم بسبب الإجهاد والضغوط التعليمية والقلق وجداول النوم غير المنتظمة. كما يواجه الأفراد الذين يعانون من اضطرابات نفسية، مثل الاكتئاب، مشاكل في إفراز الميلاتونين، ما يؤدّي إلى تفاقم مشاكل النوم وتدهور حالتهم الصحية. 

وتعاني الإناث من الأرق بمعدلات أعلى من الذكور، بسبب العوامل الهرمونية والضغوطات الاجتماعية والثقافية. وأخيراً، يعاني الأشخاص في البيئات السامة من إجهاد مزمن يؤثر بشكل كبير على نوعية النوم، ما يمنعهم بالتالي من الحصول على قسط واف من النوم.

ما هو دور الميلاتونين في تعزيز جودة النوم؟

الميلاتونين هرمون ينتجه الجسم ويلعب دورًا حيويًا في تنظيم دورات النوم والاستيقاظ. ويتم إفرازه تزامناً مع حلول الظلام، إذ يقوم بإرسال إشارات إلى الجسم للإعلان عن دخول وقت النوم. بالإضافة إلى ذلك، تُستخدم مكملات الميلاتونين لمساعدة الأفراد الذين يعانون من صعوبات في النوم، مثل الأرق. ويمكن أن تكون المكملات الطبيعية والتي لا تسبب التعود مثل “زززيكويل ناتورا”، مفيدة في هذا المجال، نظراً لأن إنتاج الميلاتونين قد ينخفض مع التقدم في العمر أو بسبب التعرض لعوامل خارجية مثل استخدام الأجهزة الإلكترونية في وقت متأخر من الليل أو العمل في ساعات غير منتظمة. يمكن أن تساعد المكملات في استعادة إيقاع النوم الطبيعي وتحسين جودة النوم. الجدير بالذكر، أن فعالية مكملات الميلاتونين قد تتغير من مستخدم إلى آخر، وقد لا تكون مناسبة أو فعالة للجميع.

ما هي الاستراتيجيات الأخرى لتحسين جودة النوم؟

التقليل من استخدام الاجهزة الالكترونية ضروري لجودة النوم

هناك بعض الاستراتيجيات التي يمكن للأفراد اتباعها لتحسين جودة النوم، مثل الحفاظ على جدول نوم منتظم، وإنشاء روتين استرخاء قبل النوم، وتوفير بيئة مناسبة للنوم، الأمر الذي يؤثر بشكل كبير على جودة النوم. كما يوصى بتقليل استخدام الأجهزة الإلكترونية قبل النوم، إذ إن التعرّض للضوء الأزرق المنبعث من هذه الأجهزة يمكن أن يتداخل مع إنتاج الميلاتونين ويؤثر على جودة النوم. كما يمكن أن تساهم إدارة التوتر من خلال تقنيات الاسترخاء وممارسة التمارين الرياضية والحصول على المساعدة المهنية عند الحاجة في تحسين صحة النوم. وتجدر الإشارة إلى أن الاهتمام بجودة النوم أمر ضروري لتحسين الصحة العامة.