المغرب تصنع التاريخ في مونديال السيدات 2023
أثبتت المغرب وبقوة تفوّقها العربي في لعبة كرة القدم هذا العام، فبعد الإنجاز التاريخي الذي حقّقه منتخب الرجال في بطولة كأس العالم في قطر بالتأهل الى المباريات النصف النهائية، ها هو منتخب السيدات اليوم يؤكد على امتلاك المغاربة لكلّ ما هو ضروري لصناعة الأمجاد الرياضية وإعادة كتابة تاريخ كرة القدم. فلبؤات أطلس لم تكتفين بكونهنّ الفريق العربي الأول والوحيد الذي يتأهل الى المنافسة في بطول كأس العالم للسيدات إنما يبذلن قصارى جهودهنّ للتأّق … ولما لا الفوز! فهل يحالفهنّ الحظ؟
حتّى الآن فاجأت لبؤات الأطلس الجميع ببلوغهنّ ثمن نهائي مونديال السيدات في كرة القدم، عقب انتصارهن على كولومبيا 1-0،بهدف سجلته أنيسة لحماري بعد التصدي لركلة جزاء غزلان شباك، ليعبرن إلى دور 16، ويثأرن من الألمانيات اللواتي فزن عليهن بسداسية نظيفة في الجولة الأولى، لكنهنّ ودّعن المنافسة بتعادلهنّ مع كوريا الجنوبية 1-1.
ويعتبر المنتخب المغربي هو المنتخب الوحيد من بين ثماني منتخبات شاركت لأول مرة في المونديال الذي تمكّن من تخطي دور المجموعات والتأهل الى الدور الثمن نهائي.
النجاح الذي تحققه الرياضة المغربية يأتي بعد سنوات من الاستثمار في كرة القدم النسائية. فمنذ عام 2009، عندما تم افتتاح أكاديمية كرة القدم المغربية الجديدة بهدف تكوين لاعبين بمواصفات عالمية، ركزت البلاد – بقيادة العاهل المغربي الملك محمد السادس – تركيزًا كبيرًا على لعبة السيدات.
وفي عام 2019 ، تم افتتاح مجمع الملك محمد السادس التدريبي بتكلفة تبلغ 65 مليون دولار بالقرب من العاصمة الرباط ، والذي يضم فرق الرجال والسيدات على مستوى الكبار والصغار. ويضمّ ثمانية ملاعب بالحجم الكامل وملاعب كرة القدم الخماسية والشاطئية وصالة ألعاب رياضية ومرافق طبية ومسبح بحجم أولمبي وفصول دراسية وفندق 5 نجوم.
في أغسطس 2020 تم رفع الميزانية النسوية لكرة القدم للسيدات إلى 65 مليون دولار، أي بزيادة قدرها عشرة أضعاف.
وقالت لحماري بعد الفوز على كولومبيا: «نحن فخورون للغاية بما تمكنا من القيام به، نحن سعداء بهذا الإنجاز، ونهدي هذا الفوز للشعب المغربي وللملك».
وبهذا الإنجاز يصبح المغرب قوة كرة قدم عالمية، بعد الإنجازات غير العادية التي حققها فريق الرجال في قطر العام الماضي بتأهله للنصف النهائي.
وعلى غرار منتخب الرجال الذي سطر إنجازًا تاريخيًا في قطر- كان أول فريق أفريقي وعربي يصل إلى نصف نهائي كأس العالم، تنوي السيدات تكرار هذا الإنجاز في اللقاء المرتقب مع فرنسا في دور الـ16 وحجز بطاقة التأهل إلى دور الربع النهائي. لكن المدرب رينالد بيدروس وبرغم الفخر بهذا الإنجاز إلا أنه غير راض بعد. «كل هؤلاء اللاعبات فخورات بارتداء هذا القميص. إنهن يضاعفن جهودهن لأنهن يحبن بلادهن وجهودهن تؤتي ثمارها» يقول بيدروس.
من جهتها أكدت قائدة المنتخب المغربي غزلان الشباك أن منتخب بلادها لا يسعى لمجرد الظهور المشرف والمشاركة في نهائيات كأس العالم، وإنما جاء للمنافسة، ومستعد لتحمل مسؤولية كونه أول منتخب عربي يشارك في النهائيات.
وأضافت: «شرف كبير لنا أن نكون أول منتخب عربي ومغربي يتأهل لكأس العالم للسيدات، وعندنا مسؤولية كبيرة لإعطاء صورة تفتخر بها كرة القدم المغربية وكذلك العربية».
وستواجه المغربيات في دور الثمن المنتخب الفرنسي، في مقابلة تذكر بالمواجهة بين البلدين خلال نصف نهائي مونديال قطر التي انتهت بانتصار الفرنسيين 2-0.
وسيكون لهذه المواجهة طعم خاص إذ إن مدرب المنتخب المغربي هو اللاعب الدولي الفرنسي سابقا رينالد بيدروس. بينما يقود المنتخب الفرنسي المدرب السابق لأسود الأطلس هيرفيه رونار.
المغرب تواجه فرنسا، فمن سيتأهل الى الربع النهائي؟
لمباراة المغرب ضد فرنسا خصوصية، إذ سيكون مدرب اللبؤات في مواجهة منتخب بلاده الذي درّبه سابقا، في حين سيكون مدرب الفرنسيات، هيرفي رونار في مواجهة منتخب المغرب الذي سبق وأن درب منتخبه الرجالي وقادهم إلى المونديال عام 2018.
وقال بيدرو: «إنه أمر خاص للغاية لكون فرنسا هي التالية»، «أعرف الفريق الفرنسي جيدًا، ربما سيساعدنا هذا نوعا ما، لكنه فريق قوي ولديه لاعبات قويات. ستكون مباراة صعبة للغاية ، لكن إذا حافظنا على نفس العقلية فنحن نأمل أن نتمكن من المضي قدمًا، سنبذل قصارى جهدنا للانتقال إلى المرحلة التالية، هدفنا ليس التوقف الآن، نحن بحاجة إلى المضي قدمًا. سنحتفل قليلاً ثم نذهب إلى أديلايد لمواصلة العمل». وأضاف مدرب اللبؤات:»تأهلنا للجولة المقبلة لأننا نستحق ذلك».
بغض النظر عن النتيجة مع فرنسا، فقد حقّقت اللبؤات إنجازًا تاريخيًا ومهمًا في بطولة العالم للسيدات.
نهيلة بنزينة: أول محجبة في تاريخ المونديال
على الرغم من أن الاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA سمح بوضع اللاعبات للحجاب منذ 2014 وذلك بعد احتجاج العديد من الناشطين والرياضيين والمسؤولين الحكوميين ومسؤولي اللعبة.إلا أنّ اللاعبة المغربية نهيلة بنزينة (25 عاماً) هي أول محجبة تشارك في بطولة للسيدات على مستوى المنتخب.
وقد غابت بنزينة عن المباراة الأولى لمنتخبها لتشارك في المباراة الثانية حيث ساهمت بتحقيق فوز تاريخي على كوريا الجنوبية هو الأول للمملكة في تاريخ المونديالات النسائية. وبالطبع لم يكن الفوز بهدف نظيف الحدث الوحيد البارز في المباراة، إذ أصبحت المدافعة نهيلة بنزينة أول لاعبة تضع الحجاب في تاريخ كأس العالم للسيدات.
وشاركت بنزينة (25 عاما) المباراة من بدايتها، وأظهرت موهبتها حيث كادت أن تهز الشباك الكورية، لكن الأهم أن ظهورها بالحجاب مثل لحظة فارقة في كرة القدم النسائية على مستوى العالم.
ونهيلة لاعبة محترفة في فريق الجيش الملكي، وهي معتادة على وضع الحجاب في المنافسات المحلية.
وقد حرص جياني إنفانتينو، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، على تهنئة اللاعبة نهيلة بنزينة بعد مشاركتها في تأهل سيدات المغرب لثمن نهائي مونديال أستراليا ونيوزيلندا. وتوجه إنفانتينو إلى لاعبة الجيش الملكي المغربي للسلام عليها وتهنئتها بالإنجاز المغربي.
نجمات المنتخب المغربي
عند الحديث عن إنجازات المنتخب، نتحدّث عن سيدات بذلن قصارى جهدهنّ ليبرزن نجموميتهنّ وتفوقهنّ في هذه اللعبة، لذا لا بدّ من الإضاءة على بعض من ألمع الأسماء في هذا المنتخب.
أنيسة لحماري: هدف يدخل المغرب الى الثمن النهائي
دخلت اللاعبة المغربية الجزائرية أنيسة لحماري تاريخ كرة القدم النسائية العربية من أوسع الأبواب، بتسجيلها لأغلى هدف في تاريخ سيدات المنتخب المغربي في شباك منتخب كولومبيا، لتقود بلادها إلى ثمن نهائي كأس العالم للسيدات 2023، المقامة على الأراضي الأسترالية والنيوزيلاندية.
وتابعت لحماري ركلة جزاء ضائعة من القائدة ابتسام الجرايدي لتسجل هدف الفوز الوحيد الذي قادت به منتخب المغرب إلى دور الـ 16، في إنجاز كروي غير مسبوق للمغرب والعرب.
تعتبر أنيسة لحماري واحدة من أحدث اللاعبات في صفوف المغرب، إذ قرّرت تمثيل الفريق الملقب بـ «لبؤات الأطلس» هذا العام ونجحت في إقناع المدير الفني الفرنسي رينالد بيدروس لتكون ضمن القائمة النهائية المشاركة في مونديال السيدات.
ورغم تمثيلها لمنتخبَي فرنسا والجزائر، استطاعت لحماري تغيير قرارها، بتمثيل المنتخب المغربي في نهاية المطاف وتحقيق حلمها بالمشاركة في كأس العالم 2023.
وبهدفها الثمين، نالت لحماري جائزة أفضل لاعبة في مباراة المغرب وكولومبيا، إذ قدّمت كذلك مستوى مذهلاً على مدار الشوطين.
بدأت لحماري قصتها مع كرة القدم في صفوف العملاق الفرنسي باريس سان جيرمان، قبل أن تخوض تجربة خاطفة في نادي ريدينغ الإنكليزي، كما لعبت لحماري في صفوف فريقي باريس أف سي وسيو، ثم تعاقدت مع فريق غانغان. واحتل غانغان المركز التاسع في الموسم الماضي 2023/2022 بالدوري الفرنسي الدرجة الأولى للسيدات.
سجلت لحماري الموسم الماضي 3 أهداف في الدوري الفرنسي، ما جعلها تخطف الأضواء وتكون محلّ صراع بين منتخبَي الجزائر والمغرب، باعتبارها تحمل 3 جنسيات مختلقة الفرنسية والمغربية والجزائرية، علماً أن والدها جزائري ووالدتها مغربية.
بدأت أنيسة لحماري مسيرتها الدولية مع منتخبات فرنسا، من تحت 17 عاماً إلى تحت 23 عاماً، وشاركت في يورو تحت 17 سنة 2013، ويورو تحت 19 سنة 2015. وخاضت لحماري 32 مباراة دولية مع منتخبات فرنسا.
في فبراير 2023، استُدعيت للمرة الأولى لتمثيل المنتخب الجزائري، وفي أبريل 2023 لعبت للمرة الأولى في مواجهة ودية مزدوجة ضد منتخب تنزانيا.
وفي 19 يونيو 2023، كشفت عن انضمامها إلى «لبؤات الأطلس» وتمثيلها المغرب، وأوشكت على تحقيق حلمها بلعب المونديال مع المنتخب المغربي، بعد اختيارها في القائمة النهائية تحضيراً للبطولة.
سافرت الفتاة الطموحة مع المغرب إلى المعسكر الاستعدادي بسويسرا، مع المجموعة الموسعة للمدرب رينالد بيدروس، ما أتاح لها فرصة خوض مباريات الاستعداد الودية، قبل دعوتها للمشاركة في كأس العالم للسيدات.
شاركت كلاعبة أساسية في المباراة ضد ألمانيا، التي انتهت بخسارة المغرب 6-0، ثم بديلة في المباراة ضد كوريا الجنوبية، التي انتهت بفوز فريقها 1-0، قبل أن تخطف مكاناً أساسياً بكأس العالم ضد كولومبيا، وتساهم بشكل مباشر في تأهل المغرب إلى ثمن النهائي، من خلال هدفها التاريخي.
ابتسام الجريدي: صاحبة أول هدف مغربي في المونديال
سجلت ابتسام الجريدي، لاعبة المنتخب الوطني المغربي النسوي لكرة القدم، اسمها بأحرف بارزة في تاريخ كرة القدم المغربية والعربية، إذ صارت أول لاعبة مغربية وعربية تحرز هدفا في نهائيات كأس العالم للسيدات، وكان ذلك خلال مباراة اللبؤات أمام المنتخب الكوري الجنوبي، خلال الجولة الثانية من دور المجموعات في مونديال أستراليا ونيوزيلندا.
ابتسام الجريدي، من مواليد مدينة الدار البيضاء في 1992، بدأت مسيرتها الكروية مع فريق نسيم سيدي مومن، وفي 2013 انتقلت إلى فريق الجيش الملكي، وساهمت في تتويج الفريق بـ9 بطولات للدوري المغربي، و8 كؤوس العرش، ودوري أبطال إفريقيا 2022.
في السنة الماضية انتقلت الجريدي إلى نادي الأهلي السعودي، حيث تعتبر من أبرز اللاعبات في الدوري المحلي، إذ سبق لها أن أحرزت هاتريك «3 أهداف» مرتين في مباراتين متتاليتين.
وسبق لابتسام الجريدي أن توجت بجائزة أفضل لاعبة في المغرب سنة 2016، وهدافة للدوري الوطني 4 مرات، وهدافة لمسابقة دوري أبطال إفريقيا سنة 2022، واختارها الاتحاد الدولي للتأريخ والاحصاء في التشكيلة المثالية للقارة الإفريقية لسنة 2022.
غزلان شباك: قائدة لبؤات أطلس
غزلان شباك هي ابنة الراحل العربي شباك، لاعب مغربي سابق لكرة القدم، وهي تسير على خطى والدها الذي دعمها وآمن بموهبتها كلاعبة شقت طريقها بثبات لتشريف كرة القدم المغربية.
في بداياتها الأولى، تقول شباك إن والدها كان له دور أساسي في نجاحها وكان يرى فيها اللاعبة الموهوبة التي تصلح لأن تكون لاعبة كرة القدم في المستقبل، مضيفة أن اللعب مع الأولاد مكنها من تعميق فهمها الجيد لأسس وقواعد ممارسة كرة القدم.
وانطلق المسار الكروي لشباك بنادي دفاع عين السبع مع فريق الفتيان، ثم التحقت بنادي الرشاد البرنوصي الذي يضم فريقًا نسويًا لكرة القدم، قبل أن تنتقل إلى الوداد والرجاء البيضاويين والنادي البلدي للعيون ثم نادي النسيم الرياضي لسيدي مومن.
وبعد تجربة قصيرة في مصر خلال الموسم الرياضي 2010-2011 مع فريق مصر المقاصة، رسمت هذه اللاعبة لنفسها مسارًا حاسمًا في مسيرتها من خلال انضمامها لنادي الجيش الملكي سنة 2012، وهو النادي الذي فازت معه بالبطولة الوطنية وكأس العرش عدة مرات.
ومع مرور الوقت، أثبتت هذه اللاعبة الموهوبة نفسها كرقم مهم ضمن صفوف الجيش الملكي، ما أكسبها في ما بعد قيادة الفريق العسكري. وتوجت شباك، خلال مسيرتها الحافلة، بـ9 ألقاب للبطولة الوطنية و8 ألقاب لكأس العرش.
وعلى المستوى الفردي، احتلت صدارة هدافي البطولة لموسم 2013-2014، بتسجيلها 54 هدفا في 20 مباراة، وهو رقم قياسي وطني. كما فازت بلقب أفضل لاعبة وجائزة أفضل هداف في البطولة الوطنية الاحترافية لموسم 2019-2020 التي فاز بها نادي الجيش الملكي.
وخاضت مع النادي العسكري منافسات الأندية الإفريقية، من خلال المشاركة في النسخة الأولى من دوري أبطال إفريقيا ، حيث احتل الجيش الملكي المركز الثالث. ونجحت مع ناديها في تحقيق لقب دوري أبطال إفريقيا لأول مرة عام 2022.
والتحقت غزلان شباك بصفوف المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم النسوية لأول مرة في سنة 2007، حيث اكتسبت رسميتها ضمن العناصر الوطنية في 8 مارس 2008 خلال مباراة ودية ضد منتخب فرنسا بالدار البيضاء.
وبعد لقب بطولة اتحاد شمال إفريقيا لكرة القدم في فبراير 2020 بتونس، حققت شباك إنجازاً غير مسبوق مع المنتخب المغربي النسوي لكرة القدم في كأس الأمم الافريقية لتقود منتخبها لأول مرة إلى نهائيات مونديال 2023.
وسجلت عميدة المنتخب المغربي، الذي احتل المركز الثاني في الترتيب النهائي لكأس الأمم الإفريقية، ثلاثة أهداف متصدرة بذلك هدافي البطولة، إضافة إلى اختيارها كأفضل لاعبة في البطولة من قبل الاتحاد الافريقي لكرة القدم.