المدير الإبداعي الجديد لدار جيفنشي ماثيو م. وليامز تحدّي التوفيق بين التراث والتغيير
إختارت دار جيفنشي، المصمّم الأميركي ماثيو. م وليامز كمدير إبداعي لها، إذ سيتولى كافة المهام الإبداعية للمجموعات النسائية والرجالية لديها؛ وذلك خلفًا للبريطانية كلير وايت كلير. وجدير بالذكر أن كيلر، كانت أول إمرأة تتولى مثل هذا المنصب، ومارست مهامها بكل جدارة من الثاني من مايو ٧١٠٢ ولغاية العاشر من إبريل ٠٢٠٢، وصمّمت على سبيل المثال فستان ميغان ماركل يوم زفافها من الأمير هاري حفيد الملكة إليزابيت. وكانت قد قدّمت إستقالتها بتاريخ ٠١ إبريل الماضي، بعد أن شكرت الدار على الفرصة التي أتاحتها لها، وقالت في هذه المناسبة، إن العمل في عالم الأزياء الراقية يشكّل أحد أجمل جوانب حياتها المهنية.
ولمناسبة تعيينه في هذا المنصب وإختيار دار جيڤنشي له، قال وليامز إنه كان يحلم فعلاً بأن يصبح يومًا المدير الإبداعي لدار أزياء عريقة مثل جيڤنشي، وإنه من المذهل أن يكون قد وصل فعلاً الى هذا الموقع، وأمل في أن يتمكن من تحقيق «تغيير إيجابي»، بالرغم من الظروف الضاغطة لجائحة كورونا المربكة.
فمن هو ماثيو وليامز، وما الجديد الذي يمكن أن يقدّمه لدار جيڤنشي؟
ولد في ٧١ أكتوبر ٥٨٩١ في مدينة إيفنستون في ولاية إيلينوي القريبة من شيكاغو، وإنتقل مع والديه وبعنايتهما الى مدينة بيسمو بيتش، التي تقع بين لوس أنجلوس وسان فرنسيسكو في ولاية كاليفورنيا بعد سنتين، حيث أمضى سبع عشرة سنة من حياته، قبل أن تتوفّر له فرصة السكن والعمل في نيويورك في التاسعة عشرة من عمره، التي لم تدم طويلاً لعدم إنضباطه بالدوام. إختار بعدها تأسيس شركة خاصة به في نيويورك أولاً، ثم في إيطاليا، حيث أقام وعمل في مدينة فيرارا مع زوجته وإبنتيه، إعتبارًا من العام ٧١٠٢، ومن ثم في ميلانو.
تابع دراساته الإبتدائية والثانوية في مدرسة تطل على المحيط الهادئ في بيسمو بيتش، وكان يميل إلى دراسة الطب، كي يعمل كطبيب في غرف الطوارىء. إلاّ أنه عاد وتسجّل في فرع الفنون في جامعة كاليفورنيا-سانتا بربارا، وإن كان لم يكمل الدراسة سوى لفصل واحد.
والده طبيب أسنان، ووالدته كانت تعمل في شركة معنية بالشؤون الطبية، بينما كانت جدته منجذبة إلى عالم الأزياء، وكانوا جميعًا يحيطونه بالكثير من المحبة، وهو يعتبر بأن طفولته كانت مليئة بالسعادة وبالذكريات الطيبة.
تعرّف قبل أن يبلغ العشرين من عمره على إرين هيرش، وله من علاقته معها إبن أسمياه «كايرو»، تيمنًا بالأميركي كايرو فوستر، المتميّز بمهارته في التزحلق السريع على الألواح في الطرقات، علمًا بأن إسمه الفعلي هو رودجر فوستر، وأطلق عليه إسم كايرو لأنه ولد في القاهرة.
إلاّ أن العلاقة مع إيرن هيرش لم تدم. تعرّف بعد ذلك بقليل على زوجته جينيفر في أحد نوادي لوس أنجلوس، وكانت تعمل حينها كمديرة مبيعات لدى علامة هوود بايئير لما يسمى بـ«ألبسة الشارع»، وكمصممة لماركة الأزياء النسائية «إديث ميلر»، إضافة إلى متجر لعلامة «ماكسفيلد» الراقية في لوس أنجلوس، فتوافقا بعد فترة على الزواج.
رزق منها بطفلتين هما «أليكس» و«فاليتا»، علماً بأنها تكبر زوجها عمراً بثلاث سنوات، ولها تأثير كبير عليه، أكان في مجال التصميم أو التسويق والمبيعات.
يهوى رياضة ركوب الأمواج؛ ويحرص على ممارسة رياضة كمال الأجسام، وتعلم فنون الكاراتيه في صغره، وغالبًا ما يمارس رياضة كرة القدم، ما تسبّب له بكسر في رجله عام ٨١٠٢؛ كما يحب موسيقى الهيب هوب.
يفضّل إتباع نظام غذائي نباتي، وتناول الأسماك. لا بل أنه يسعى للإلتزام بنظام الأيورفيديك، الذي يعتمد على التأمل والتنفّس العميق وتناول المأكولات الصحية لخلق توازن بين الروح والجسد.
مسيرة مهنية حافلة
يتمتّع وليامز بمسيرة فنية ومهنية حافلة، وكان يعرف تحببًا في فترة من الفترات بـ«ماتي دادا».
سبق له وأن تعامل مع علامات تجارية مثل «نايكي» الأميركية، و«كريستيان ديور» الفرنسية، بالتعاون مع كيم جونز في الإدارة الفنية؛ وكذلك مع علامة «مونكلير جينيوس» الإيطالية للألبسة الرياضية، كمساعد مصمّم، ومع الشركة الإسكتلندية المعروفة بصناعة المعاطف «ماكينتوش».
تعاون بعدها مع مشاهير الفن والموسيقى والأزياء. وهكذا فقد عمل ما بين ٨٠٠٢ و٢٠١٠ كمدير إبداعي لـ«هاوس أوف غاغا”، العائد للمغنية الأميركية لايدي غاغا، وقدّم لها إطلالات ناجحة على المنابر.
وكذلك عمل كمدير فني لوكالة «دوندا»، العائدة لمغني الراب والمصمّم الأميركي كانيي ويست، الذي تعلّم منه الكثير، ويعتبره صديقه الأقرب لغاية اليوم. وتعرّف في الفترة نفسها على مصور عروض الأزياء الشهير نيك نايت، وتعاون مع المصمم الأميركي فيرجيل أبلوه، الذي سبق وأن إختاره كشاهد على زواجه،إضافة إلى تعاونه مع هيرون برستون وجوستن سوندرز.
شارك عام ٢١٠٢ في تأسيس مجموعة «برين تريل» لملابس الشارع البسيطة، مع الأميركي هيرون برستون وفيرجيل أبلوه، الذي عمل لاحقًا كمدير فني للمجموعات الرجالية لـ«لويس ڤويتون”، وكانت زوجته جينيفر تشغل منصب مديرة المبيعات للمجموعة.
في عام ٥١٠٢، قام بإنشاء علامته التجارية الخاصة، المستوحاة كذلك من أزياء الشارع، أي تلك التي تعتمد البساطة والأناقة على حدّ سواء في المدن، بإسم «أليكس»، وأصبحت معروفة إعتبارًا من عام ٧١٠٢، وهو العام الذي إنتقل فيه مع عائلته الى إيطاليا، بإسم «٧١٠١ أليكس ٩ أس.أم»، قدّم فيها أزياء نسائية ورجالية وأكسسواراتها، بالتشارك مع مؤسس شركة سلام جام، لمالكها «لوقا بينيني»، الذي وفّر التمويل الأساسي.
تجدر الإشارة الى أن «أليكس» هو إسم إبنته الكبرى، وبأن ٩ أس.أم. يحمل الأحرف الأولى للعنوان الأول لشركته في مدينة نيويورك «سانت مارك بلايس»، وبأن الرقم ٧١٠١ هو نسبة لتاريخ ميلاده في السابع عشر من أكتوبر.
تحدّي «جيفنشي»
في الخامس عشر من يونيو ٠٢٠٢، تمّ الإعلان عن تعيينه كمدير إبداعي جديد لدار جيڤنشي، وأرفق الإعلان بتسجيل صوتي له، يعرب فيه عن سعادته لهذا التعيين، الذي سمح له بتحقيق حلم حياة كان يسعى اليه، وهو ما يحفّزه للعمل ولتقديم مساهمته بحماس، وتحقيق التغيير الإيجابي المناسب؛ وإن كان لن يوقف عمل شركته الخاصة «أليكس» التي توظف أكثر من ٠٣ شخصًا في مختلف مكاتبها.
«جيڤنشي» هذه العلامة الفرنسية العريقة للأزياء الراقية، أسسها المصمّم «هوبير دو جيڤنشي» عام ٢٥٩١، تعمل في مجال تصنيع الملابس الأنيقة والأكسسورات والعطور ومستحضرات التجميل، وتمكّنت من جذب ممثلين عالميين مثل«أودري هيبورن»، ومشاهير مثل«فرح بهلوي» زوجة شاه إيران الراحل، وجاكلين كينيدي وغيرهم…؛ وأصبحت ضمن مجموعة «إل.في.إتش.أم» (لويس ڤويتون مويه هينيسي)، لمالكها الأساسي الملياردير الفرنسي برنار أرنو؛ علمًا بأن المدير التنفيذي للشركة سيدني توليدانو، أعرب بدوره عن تقديره لوليامز، متوقعًا له إنطلاقة جديدة ومفيدة للدار، بالتعاون مع العاملين فيها.
وأعرب معظم الخبراء عن إعتقادهم، بأن مثل هذا التغيير المتوازن الذي سيسعى اليه وليامز، ممكن، نظرًا لموهبته ومقدرته على حسن الإبتكار والإختيار، وإن كان أحد النقاد شكك في إمكانية تأقلمه مع ثوابت خط جيفنشي التقليدية، ذاهبًا الى حد القول إن التغيير ألذي سيحدثه يحمل في طياته مخاطر سلبية لا بل تدميرية!
وإذ أشار وليامز في هذه المناسبة الى أنه يشرّفه للغاية الإنضمام الى جيفنشي، فقد بدأ التحضير لتقديم أول مجموعات الأزياء التي تحمل توقيعه خلال شهر أكتوبر المقبل في باريس. ومن المرجّح أن يسعى إلى التوفيق في ذلك، بين معايير وقواعد وإرث جيفنشي التي تتميّز بتاريخها وخصوصيتها ورمزيتها من جهة، ومع نهجه الشخصي الجريء للتصميم الذي يعتمد غالبًا على التغيير، والمعزّز بإبتكارات التكنولوجيا، والصناعة الموسيقية المتسمة بالطاقة المتحركة، والنمط الشبابي العصري من جهة أخرى. وقد عبر تحديدًا في هذا السياق بأنه سيعمل على الإرتقاء بالدار الى حقبة جديدة تقوم على الحداثة والشمولية.
التحدّي الفعلي أمامه إذًا، هو كيفية التوفيق بين تراث جيڤنشي المحافظ، الذي إعتمد تقليديًا نمط الأزياء الكلاسيكية الأنيقة، وبين هويته المتميزة وميله إلى التغيير. وقد يساهم هذا التغيير في توسيع خطوط الموضة نحو آفاق جديدة، وجذب فئات إضافية من المتسوقين، خاصة وأنه يأتي من خلفية فكرية وفنية وغير كلاسيكية على أقل تقدير.
يفكر بالمستقبل على قاعدة الأمل وضرورة التأقلم مع الصعوبات
إستفاد وليامز، من عطلة مدرسية لإبنته في إيطاليا ربيع هذا العام للسفر معها الى نيويورك، ومن ثم تمضية إجازة عائلية في منتجع «مونتوك» المميّز على شاطئ المحيط الأطلسي. إلا أن إستفحال تداعيات جائحة كورونا، وخاصة في مدينة ميلانو حيث يقيم، والقيود التي وضعت على السفر، منعته لغاية الآن من العودة الى إيطاليا، وإن كان يسعى للتواصل والعمل من حيث يقيم، من طريق «منصة آي فون».
عندما يسأل عما إذا كان يلجأ الى علم الفلك أو الى العرّافين لإستشراف المستقبل، وهو من مواليد الميزان، يجيب بأنه لا يلجأ اليهم إلا عندما يصطدم بحالات تعثر وفشل، وينساهم عندما تسير الأمور مسارها الحسن. وهو يفضل بشكل عام، أن يفكر بالمستقبل على قاعدة الأمل وضرورة التأقلم مع الصعوبات.
مشاريعه المستقبلية
من المشاريع المستقبلية التي كان يطمح دومًا إليها، خلق علامة خاصة به للأزياء، تجمع بين التراث والحداثة. وقد جاء في أحد تصاريحه مؤخرًا، أنه ليس بإستطاعة أحد في الوقت الحاضر التحدث عن مشاريع على المدى البعيد.
وبالتالي، ستظل العروض بواسطة الإنترنت والمقابلات والفيديوهات واليوتيوب خيارًا في الوقت الحاضر، كما حصل مع أسابيع الموضة في لندن وباريس وميلانو.
كما أن التجارة الرقمية بواسطة الإنترنت باتت تعطي نتائج مرضية، كما أشارت الى ذلك جينيڤير وليامز في إحدى تصريحاتها في ما يتعلق بمبيعات علامة «أليكس». وقد صرح مؤخرًا بأن شركته قد تكون الأولى التي ستدخل على نظامها تكنولوجيا قواعد البيانات المتسلسلة «بلوكتشين»، التي يمكن إعتبارها بنية تحتية مفتوحة تقوم على تخزين أنواع عديدة ومفيدة من الأصول والمعلومات.
والثابت بأن مشروعه المستقبلي الأقرب هو بطبيعة الحال تقديم العرض الأول لمجموعته شهر أكتوبر المقبل في باريس، بالطرق المتاحة، وهي مناسبة يترقبها الكثير من المعجبين والنقاد والمتابعين بكثير من الإهتمام.