منافسة لم تحسم قبل الدقائق الأخيرة
مهرجان «كان»
إنتصار جديد للمرأة فـي عالم السينما
نتائج غير متوقّعة أنهى بها مهرجان «كان» السينمائي دورته الـ 76 التي طغت عليها المنافسة حتى الدقائق الأخيرة، مع إعلان الممثلة الفرنسية كيارا ماستروياني التي قدّمت حفلتَي الافتتاح والختام، عن فوز فـيلم Anatomy of a Fall للمخرجة الفرنسية جوستين ترييت بالسعفة الذهبية لتصبح بذلك ثالث مخرجة تحصد هذه الجائزة فـي تاريخ المهرجان، بعد جين كامبيون وجوليا دوكورنو.
وهذا ليس الإنتصار الوحيد للمرأة العاملة فـي مجال السينما الذي شهده مهرجان هذا العام، إذ عُقدت هذه الدورة للمرة الأولى برئاسة المحامية ذات الشهرة الدولية والتي عملت طويلاً فـي مجال السينما، إيريس كنوبلوك، علماً أنها المرأة الأولى فـي التاريخ التي تتولى هذه المهمة.
بالكثير من التألّق والحماس طويت صفحة النسخة السادسة والسبعين من مهرجان «كان» الذي ترأسته للمرة الأولى إيريس كنوبلوك.
وقد طُبعت هذه الدورة خصوصاً، بالجدل الذي رافق عودة جوني ديب إلى صدارة المشهد السينمائي من بوابة المهرجان، بعد المحاكمة الصاخبة التي تواجه فـيها مع طليقته أمبير هيرد بسبب اتهامات متبادلة بالعنف الأسري، فضلاً عن الحضور القوي للسينما الأفريقية، وعودة أساطير هوليوودية إلى جادة كروازيت الشهيرة فـي «كان».
ومن بين الأسماء الكبرى التي حضرت إلى الريڤييرا الفرنسية للمشاركة فـي المهرجان: مارتن سكورسيزي الذي قدّم مع النجمين ليوناردو دي كابريو وروبرت دي نيرو فـي أحدث أفلامه، «كيلرز أوف ذي فلاور مون»، كذلك حضر هاريسون فورد الثمانيني الذي صعد درج المهرجان لمناسبة عرض أحدث أفلام «إنديانا جونز»، كما حضر كلّ من الممثلة جين فوندا والمخرج كوينتن تارانتينو، فتحدث كل منهما عن السينما ومسيرته الشخصية.
السعفة الذهبية مفاجأة لم يتوقّعها أحد
مع انتهاء عروض الأفلام المنافسة لم يكن أحد من المتابعين قادراً على تكهّن اسم الرابح بالسعفة الذهبية إذ بقيت المنافسة عليها محتدمة حتى اللحظات الأخيرة. إذ عقد رئيس لجنة التحكيم، المخرج السويدي روبن أوستلوند الذي حصد العام الماضي، للمرة الثانية فـي مسيرته، جائزة السعفة الذهبية، عن فـيلمه «تراينغل أوف سادنس»، جلسة مغلقة مع أعضاء اللجنة للتشاور واختيار الفائزين، علماً أن لجنة التحكيم تتكوّن من أربع نساء وأربعة رجال، بينهم جوليا دوكورنو «مخرجة فـيلم «تيتان» الفائز بالسعفة الذهبية عام 2021»، والممثلة بري لارسون المعروفة بدورها كبطلة خارقة فـي «كابتن مارفل»، والكاتب الأفغاني عتيق رحيمي والممثل دوني مينوشيه.
وقبل إعلان نتيجة المشاورات كان التشويق لا يزال فـي أوجّه، مع بعض التكهنات التي رجّحت فوز الفنلندي أكي كوريسماكي، صاحب المشاركات الكثيرة فـي المهرجان وأحد المخرجين المفضلين لدى روبن أوستلوتد، والذي حظي فـيلمه «دد ليفز» المفعم بالشجن بإشادة واسعة.
فـي حين توقّع بعض النقاد أن تأخذ قائمة الفائزين منحى سياسياً أكثر فـي حال قرّرت اللجنة منح جائزتها للبريطاني جوناثان جلايزر عن فـيلمه «زون أوف إنترست» الذي يتناول قصة ضابط نازي يقع فـي غرام زوجة قائد معسكر أوشفـيتز للإبادة.
إلاّ أن أحداً لم يتوقّع إعلان فوز فـيلم Anatomy Of A Fall للمخرجة جوستين ترييت، التي تعتبر المرأة الثالثة كمخرجة فقط، التي تفوز بالجائزة الكبرى المرموقة للمهرجان منذ انطلاقته. وقدّم لها الجائزة رئيس لجنة التحكيم روبن أوشستلوند والضيفة الخاصة جين فوندا.
وذهبت الجائزة الكبرى، وهي ثاني جائزة بعد السعفة الذهبية، للمخرج البريطاني جوناثان جلازر عن فـيلم «ذا زون اوف إنترست» الذي يتناول قصة عائلة تعيش بالقرب من معسكر أوشفـيتس.
وفاز بجائزة أفضل ممثل، الياباني كوجي ياكوشو الذي أدّى دور عامل تنظيف مراحيض فـي طوكيو، يهوى قراءة الكتب والاستماع إلى الموسيقى فـي فـيلم «بيرفكت دايز» للمخرج فـيم فـيندرز.
وذهبت جائزة لجنة التحكيم إلى «فولن ليفز» للمخرج الفنلندي أكي كاوريسمكي الذي عاد للمشاركة فـي المسابقة بعد غياب عشر سنوات. وتسلّم الجائزة بالإنابة عنه بطلا الفـيلم الذي يتناول قصة حب فـي مهدها بين شابة وعامل سكير.
وحصل على جائزة أفضل مخرج الفرنسي من أصل ڤييتنامي تران آن هانغ عن فـيلم «ذا بوت-او-فـيو» من بطولة جوليت بينوش وبينواه ماجيميل.
ثالث مخرجة تحصد السعفة الذهبية
تُعدّ المخرجة الفرنسية جوستين ترييت ثالث امرأة تفوز بالسعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي بعدما انتزعت الجائزة من بين 20 فـيلمًا فـي المسابقة الرسمية. وقالت ترييت إنها «متفاجئة» من كونها ثالث امرأة فقط تفوز بالجائزة، مشيرة إلى أن القرار مشجّع فـي ما يتعلق بالمستقبل. وقالت بعد إعلان فوزها «نشهد فجر تغييرات جذرية عميقة فـي هذا الصدد».
ترييت سبق ترشيحها للجائزة فـي 2019 عن فـيلم «سيبل» لكنها تفوّقت هذه المرة على مخرجين مخضرمين يملك كل منهم سعفة واحدة على الأقل فـي رصيده أمثال هيروكازو كوري- إيدا وكين لوتش وفـيم فـيندرز. وأصبحت ثالث امرأة تفوز بالجائزة بعد النيوزيلندية جين كامبيون والفرنسية جوليا دوكورناو.
وقالت الممثلة الأميركية جين فوندا التي سلمتها الجائزة، إن يومًا ما سيصبح أمرًا عاديًا أن تفوز امرأة، وليس شيئًا تاريخيًا. وأضافت «أمامنا طريق طويل. لكن علينا أن نحتفل بالتغيير عند حدوثه».
ميرفـي ديزدار أفضل ممثلة
وفـي مفاجأة أخرى حصدت الممثلة التركية ميرفـي ديزدار جائزة أفضل ممثلة عن دورها فـي فـيلم kuru otlar üstüne (فوق العشب الجاف) للمخرج نوري بيلجي جيلان، ويحكي العمل قصة مدرّس فـي قرية نائية فـي الأناضول، وبينما يستعد لتعيينه فـي اسطنبول يواجه إتهامات بالتحرش بطالبة فـي صفه، وتؤدي ميرفـي دور خطيبته.
وعلى ما يبدو أن ميرفـي نفسها لم تتوقّع فوزها بهذه الجائزة، حيث بدت مستغربة لحظة إعلان اسمها وتداولت المواقع التركية والعالمية ردة فعلها لحظة إعلان النتيجة، لاسيما وقد تعرّضت خلال الأيام الماضية لبعض الانتقادات على الفستان الذي ظهرت فـيه خلال عرض الفـيلم، وردّت بالمقابل على هذا الموضوع قائلة «كنت جميلة جدًا، وبرأيي الفستان كان جميلا للغاية. . طالما أنني ارتديته هذا يعني أنه أساسًا أعجبني».
وفـي كلمة تسلّم الجائزة قالت ميرفـي: «أقدم الجائزة لكل النساء اللواتي يكافحن للتغلّب على الصعوبات الموجودة فـي هذا العالم، ولأولئك الذين ينتظرون أن يعيشوا الأيام الجميلة التي يستحقونها فـي تركيا».
وكان الجميع يتوقّع فوز الممثلة الألمانية ساندرا هولر التي تعرّف عليها الجمهور العالمي فـي «كان» مع فـيلم «توني إيردمان» سنة 2016، إذ تميّزت فـي دورين هذا العام، مع أدائها شخصية زوجة القائد النازي فـي «زون أوف إنترست»، ودور أرملة متهمة بقتل زوجها فـي «أناتومي أوف إيه فال».
كوجي ياكوشو أفضل ممثل
كانت جائزة أفضل ممثل من نصيب الممثل الياباني كوجي ياكوشو عن دوره فـي فـيلم Perfect Days، وهو فـيلم ياباني ألماني لعام 2023، من إخراج الألماني فـيم فـيندرز.
وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي يفوز فـيها ممثل ياباني بجائزة أفضل ممثل فـي مهرجان «كان»، أحد مهرجانات الأفلام «الثلاثة الكبار»، منذ عام 2004، عندما أصبح يويا ياجيرا أول ياباني يفوز بالجائزة عن دوره فـي فـيلم «لا أحد يعرف» إخراج كوريدا.
وأعرب ياكوشو، 67 عامًا، عن سعادته بابتسامة فـي حفل توزيع الجوائز، إذ قال: «سآخذ هذه الجائزة إلى المنزل. شكرا»، بعد أن أعرب عن امتنانه للموظفـين والفاعلين وزوجته.
وتدور أحداث الفـيلم فـي حي شيبويا فـي طوكيو. والشخصية الرئيسية للفـيلم التي يلعبها ياكوشو، تكسب لقمة العيش من تنظيف المراحيض العامة.
4 جوائز لصندوق مهرجان البحر الأحمر
ومع إعلان نتائج مسابقة نظرة ما، فـي المهرجان كان السينمائي 2023، كان الرابح الأول والأكبر، هو صندوق مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي الذي حصد 4 جوائز لأربعة أفلام من أصل خمسة أفلام حصدت جوائز المسابقة.
وظهر بشكل واضح مجهود مهرجان البحر الأحمر السينمائي بعد أن سيطرت الأفلام العربية على الجوائز، إذ حصد الفـيلم المغربي «عصابات» من إخراج كمال لزرق جائزة «لجنة التحكيم»، فـيما حصد الفـيلم المغربي «كذب أبيض» من إخراج أسماء المدير جائزة «أفضل إخراج».
أما الفـيلم السوداني «وداعًا جوليا» من إخراج محمد كردفاني فقد حصد «جائزة الحرية».
وإضافة إلى ذلك، حصد الفـيلم البلجيكي – الكونغولي «النذير» من إخراج بالوغي، والذي هو مدعوم من صندوق البحر الأحمر السينمائي، جائزة «الصوت الجديد».
سبع مخرجات متألّقات
شهدت الدورة الحالية لمهرجان كان السنيمائي رقمًا قياسيًا للمشاركة النسائية، إذ تنافست ست مخرجات فـي المسابقة الرسمية وهن: التونسية كوثر بن هنية، أليس روهفاشر، وجيسيكا هاوسنر، وكاثرين بريلات، والسنغالية راماتا تولاي سي، فضلاً عن الفرنسية التي فازت بالسعفة جوستين ترييت. كذلك شهدت مسابقة «نظرة ما» مشاركة وفوز المخرجة المغربية أسماء المدير عن فـيلم «كذب أبيض».
إيريس كنوبلوك أول امرأة تترأس مهرجان «كان»
للمرّة الأولى فـي تاريخ مهرجان «كان» تتولّى امرأة مهام رئاسته وذلك بعد أن انتُخبت المحامية ذات الشهرة الدولية والتي عملت طويلاً فـي مجال السينما إيريس كنوبلوك رئيسةً له، لتخلف الفرنسي بيار ليسكور (76 عاماً) الذي كان يتولى المنصب منذ 2014.
وتمتد ولاية كنوبلوك التي أصبحت فـي يوليو الماضي أول امرأة تترأس المهرجان، لمدّة ثلاث سنوات، وتُجرى فـي ظلها تالياً دورات المهرجان فـي 2023 و2024 و2025. وانتخب مجلس الإدارة كنوبلوك بالاقتراع السري عملاً بالنظام الأساسي.
وعند انتخابها قالت كنوبلوك إنها ستكرّس كل طاقتها لتعزيز «تألق هذا الحدث العالمي الذي يشكّل محطة أساسية فـي الحفاظ على الحياة الثقافـية فـي عالم يشعر بالحاجة الملحّة إليها أكثر من أي وقت مضى».
وأمضت كنوبلوك معظم مسيرتها المهنية فـي استوديوهات «وورنر» الأميركية، وتولت حتى الصيف الفائت إدارة أنشطتها الفرنسية ثم الأوروبية.
وشاركت فـي يوليو الفائت فـي تأسيس أداة I2PO المالية الهادفة إلى جمع الأموال وتنفـيذ استثمارات فـي مجال الترفـيه، وتولت رئاستها.
ودفعت هذه الأنشطة بعض ممثلي القطاع السينمائي الفرنسي الذين يشغلون مقاعد فـي مجلس إدارة المهرجان إلى جانب ممثلي السلطات العامة، إلى إبداء خشيتهم من احتمال تضارب المصالح.