Bruce Clay

في زمن الشاشات الرقمية هل بدأنا نخسر حياتنا الحقيقية؟

الاتصال الدائم بالعالم الرقمي يبعدنا تدريجيًا عمّن حولنا
الاتصال الدائم بالعالم الرقمي يبعدنا تدريجيًا عمّن حولنا

في عالم يزداد فيه الاعتماد على التكنولوجيا يومًا بعد يوم، لم تعد الأجهزة الإلكترونية مجرّد أدوات للتواصل والترفيه، بل أصبحت حاضرة في كل تفاصيل الحياة: من مكاتبنا إلى غرف نومنا، ومن جيوبنا إلى طاولات العشاء. ورغم ما توفره من فوائد، فإن هذا الحضور الطاغي قد يسرق منا الأوقات الأكثر قيمة: تلك التي نقضيها مع من نحب، أو مع أنفسنا. وباتت الشكوى من الإفراط في استخدام الشاشات تتكرر في الكثير من البيوت. ويزداد الشعور بالإرهاق العاطفي والذهني كلما طغت الحياة الرقمية على الحياة الواقعية. والسؤال الذي يفرض نفسه: كيف يمكن أن نعيد التوازن ونستعيد اللحظات التي تاهت وسط الإشعارات والتنبيهات؟

كل دقيقة أمام الشاشة تضيع من وقتك

الشكوى من الإفراط في استخدام الشاشات تتكرر في الكثير من البيوت
الشكوى من الإفراط في استخدام الشاشات تتكرر في الكثير من البيوت

عند كل استخدام للجهاز، هناك شيء ما يتم التخلي عنه. قد يكون هذا الشيء لحظة مع طفلك، أو جلسة مع شريك حياتك، أو حتى وقتك الخاص لممارسة الرياضة أو التأمل أو العمل. نحن نعيش في زمن “الانفصال المتصل”، حيث نكون على اتصال دائم بالعالم الرقمي، بينما نتباعد تدريجيًا عمّن حولنا.

التكنولوجيا تسرق منا البهجة

وضع هاتفك جانباً والخروج أو القيام بنشاط ممتع يمكن أن يعزز الحالة المزاجية
وضع هاتفك جانباً والخروج أو القيام بنشاط ممتع يمكن أن يعزز الحالة المزاجية

يشعر كثير من الناس بفراغ لا يمكنهم تفسيره، ربما يكون هذا الشعور نتيجة غياب الحياة الحقيقية لصالح الحياة الافتراضية. تقليص وقت الشاشة لا يمنحك فقط فرصة لاستعادة علاقاتك، بل يعزز أيضًا من صحتك النفسية، ويقلل من التوتر والقلق، ويفتح الباب لاكتشاف الجمال المحيط بنا حين نكون حاضرين فعلاً.

تحسين الصحة البدنية

الأجهزة قد تقلل من الوقت المخصص للرياضة
الأجهزة قد تقلل من الوقت المخصص للرياضة

هناك فوائد صحية عديدة لتقليل وقت استخدام الشاشة، منها تحسين الصحة البدنية، نعلم أن الأنشطة البدنية مفيدة للصحة، ولكن الأجهزة قد تقلل من الوقت المخصص للرياضة. وقد يصعُب الحفاظ على العادات الصحية عند قضاء الكثير من الوقت أمام الشاشات. وتشمل الفوائد ما يلي الوقاية من السُمنة والحالات المرضية المرتبطة بزيادة الوزن. وتشمل تلك الحالات السكري من النوع الثاني وأمراض القلب. والأطفال الذين يشاهدون التلفاز لفترات طويلة أكثر عرضة للإصابة بزيادة الوزن تخصيص مزيد من الوقت للرياضة واللعب. بإمكانك إضافة الأنشطة البدنية لملء الفترات الشاغرة الجديدة في جدولك. زيادة مدة النوم. إذ يواجه الأطفال الذين يقضون وقتًا أطول أمام التلفاز صعوبة في الخلود إلى النوم أو البقاء نائمين.

الأطفال الذين يمضون وقتًا أطول في النظر إلى الشاشة أكثر عرضة للمشكلات السلوكية وتشتت الانتباه
الأطفال الذين يمضون وقتًا أطول في النظر إلى الشاشة أكثر عرضة للمشكلات السلوكية وتشتت الانتباه

كما قد يشعرون بالتعب ويتناولون المزيد من الوجبات الخفيفة لتعويض ساعات النوم المفقودة. يجب تقليل الوجبات الخفيفة التي تُؤكل دون وعي لأنها قد تؤدي إلى زيادة الوزن. فقد يؤدي تناول الوجبات الخفيفة أو الوجبات الأساسية أمام التلفاز إلى تناول الطعام دون وعي، مما قد يؤدي إلى استهلاك حصص أكبر. بينما يتيح الابتعاد عن المشتتات إيلاء مزيد من الانتباه لجسمك وإشاراته عندما تصبح ممتلئًا بالطعام.

 تخصيص وقت للاستمتاع باللعب والاستكشاف

الاستكشاف والأنشطة الإبداعية والرياضية كبديل ممتع للشاشات
الاستكشاف والأنشطة الإبداعية والرياضية كبديل ممتع للشاشات

استكشاف العالم والتعرف عليه جزء لا يتجزأ من الحياة. والأطفال فضوليون بطبيعتهم، لكن بإمكان البالغين أيضًا المشاركة في الاستكشاف. فبدلًا من قضاء الوقت على الأجهزة، بإمكانك أنت وعائلتك تجربة أنشطة جديدة، مثل ركوب الدراجات أو المشي أو الذهاب إلى المتنزهات أو زيارة المتاحف أو استكشاف ممر طبيعي في الجوار. فالأنشطة التي لا تنطوي على استخدام الشاشات ممتعة بنفس قدر الأشياء التي تظهر عليها. جرّب التلوين أو القراءة أو الأشغال اليدوية أو غيرها من الأنشطة التي تتطلب إعمال خيالك. وذلك لأن تقليل وقت استخدام الشاشة يتيح المزيد من الوقت للعب والانخراط في أنشطة إبداعية.

 تقوية الروابط الاجتماعية

تقليل استخدام الشاشات لتعزيز التواصل والعلاقات الاجتماعية
تقليل استخدام الشاشات لتعزيز التواصل والعلاقات الاجتماعية

التواصل مع الآخرين أمر بالغ الأهمية حتى نشعر باهتمام الآخرين بأمرنا. ويتجه الأطفال نحو مقدّمي الرعاية بحثًا عن الشعور بالانتماء؛ بينما يجده البالغون لدى عائلاتهم وأصدقائهم. وباستطاعة الأجهزة تدمير هذه العلاقات. فعندما ينشغل الآباء بالشاشة، قد يشعر الأطفال أن عليهم التنافس مع الأجهزة للحصول على الانتباه. لكن عندما تضع جهازك جانبًا، تصبح حاضرًا بعواطفك وهذا من شأنه تقوية الأواصر العائلية. وقد وجدت دراسة أن الأطفال الذين تخلوا عن أجهزتهم الإلكترونية لخمسة أيام أظهروا قدرة أفضل في تمييز تعابير الوجه والتقاط الرسائل غير اللفظية مقارنةً بهؤلاء الذين يعيشون الحياة على نفس المنوال. ويمكن أن يُحسِّن تقليل وقت استخدام الشاشات مهاراتهم الاجتماعية الخاصة بالتواصل وجهًا لوجه. إن تشغيل التلفاز، حتى لو كان بمثابة مجرد خلفية صوتية، سوف يصرف تركيزك إليه بدلاً مما يحدث حولك.

تحسين الحالة المزاجية

الأنشطة الواقعية تُعزّز المزاج والتركيز وتُقلّل من آثار الشاشات السلبية
الأنشطة الواقعية تُعزّز المزاج والتركيز وتُقلّل من آثار الشاشات السلبية

إن وضع هاتفك جانباً والخروج أو القيام بنشاط ممتع يمكن أن يعزز الحالة المزاجية، لأنه قد يمنحك شعورًا بالإنجاز ويحسّن صحتك العامة. أما الاكتئاب والقلق، فقد يدفعان الشخص إلى الانطواء والانعزال عن الآخرين. بينما يساعد الانخراط في الأنشطة الاجتماعية على التواصل مع الآخرين وتقليل أعراض هذه الحالات. والأطفال الذين يمضون وقتًا أطول في النظر إلى الشاشة أكثر عرضة للمشكلات السلوكية وتشتت الانتباه؛ على الجانب الآخر، يحسّن تقليلها من تركيزهم. وقد تسبب مشاهد العنف القلق والاكتئاب للأطفال وتدفعهم للاعتقاد بأن العنف طريقة مقبولة للتعامل مع المشكلات.

على الرغم من أن التكنولوجيا أداة رائعة، إلا أنها قد تقف حائلًا أمام عافيتك وتجعلك منقطعًا عن من حولك، بينما يساعدك الابتعاد عن الأجهزة على توفير مزيد من الوقت للمحافظة على نشاطك والاستمتاع بالوقت مع أحبائك.