الصحة النفسية في زمن تيك توك: نصائح مضلّلة وغير مدعومة علميًا
مع ازدياد التوجه إلى وسائل التواصل الاجتماعي بحثًا عن الدعم والمشورة، أظهرت تقارير حديثة أنّ تطبيق تيك توك أصبح ساحة خصبة لتداول معلومات غير دقيقة حول الصحة النفسية. إذ كشف تحقيق أجرته صحيفة ذا غارديان البريطانية، بمشاركة أطباء نفسيين وخبراء أكاديميين، أن أكثر من نصف الفيديوهات الشائعة تحت وسم #mentalhealthtips تحتوي على محتوى مضلّل أو غير مدعوم علميًا. وقالت الصحيفة إنّ أعداداً متزايدة من الناس ينكبون على وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على دعم نفسي، إلّا أنّ الدراسات كشفت أنّ العديد من المؤثرين في منصات الشبكة العنكبوتية يُروّجون معلومات مضللة لتقديم حلول سريعة وادعاءات كاذبة.
انتشار معلومات خاطئة
View this post on Instagram
القلق من هذه الظاهرة لا ينبع فقط من انتشار معلومات خاطئة، بل من طبيعة المنصّة نفسها التي تُوصّل الرسائل إلى ملايين المستخدمين، معظمهم من فئة الشباب الذين قد يكونون في مرحلة هشّة نفسيًا. من أمثلة هذه المعلومات المضلّلة: الادّعاء بأنّ تناول برتقالة في الحمام يمكن أن يعالج القلق، أو أنّ تكرار الاعتذار مؤشر على سلوك سميّ. مثل هذه النصائح لا تستند إلى أساس علمي، وقد تضرّ أكثر مما تنفع. وأثبت الخبراء أنّ 52 من أصل 100 مقطع فيديو تقدّم نصائح حول التعامل مع الصدمات النفسية والتباعد العصبي والقلق والاكتئاب والأمراض النفسية الحادة تحتوي على بعض المعلومات الخاطئة، وأنّ العديد من الفيديوهات الأخرى كانت غامضة أو غير مفيدة.
إجراءات تيك توك لمواجهة هذه الظاهرة
يرى أطباء نفسيون أنّ هذا النوع من المحتوى يسهم في تبسيط الاضطرابات النفسية، ويحوّل المشاعر اليومية مثل التوتر أو الحزن إلى تشخيصات ذاتية دون سند طبي. وقد صرّح الطبيب النفسي ووكيل وزارة الصحة البريطاني السابق، بأن هذه الفيديوهات تقلل من جدّية المعاناة الحقيقية لأولئك المصابين باضطرابات نفسية فعلية. من جهتها، أكّدت تيك توك أنها تعمل مع منظمات مثل منظمة الصحة العالمية لمواجهة هذه الظاهرة، مشيرةً إلى حذف نسبة كبيرة من المحتوى المضلّل حتى قبل التبليغ عنه. كما أطلقت حملات توعية لتشجيع المستخدمين على استهلاك معلومات موثوقة، خصوصًا في مجالات حساسة مثل الصحة النفسية.
دور الأهل في حماية الصحة النفسية لأطفالهم على المنصات الرقمية
مع تزايد اعتماد الناس على المنصات الرقمية كمصدر للمعلومات والدعم، يصبح دور هذه المنصات في نشر المعرفة السليمة مسؤولية لا يُستهان بها. فالصحة النفسية ليست مجرد محتوى ترفيهي أو ترند، بل حاجة إنسانية تتطلب الدقة، الحذر والوعي المجتمعي. ففي ظل الانتشار الكبير للمحتوى النفسي على تيك توك وتزايد انجذاب المراهقين والأطفال إليه، يقع على عاتق الأهل دور حاسم في توجيه أبنائهم وتعزيز وعيهم النقدي. إذ لا يكفي منع الوصول إلى المحتوى المضلّل، بل يجب بناء حوار مفتوح ومستمر حول ما يشاهدونه، وتشجيعهم على التحقق من مصادر المعلومات، وتمييز الفرق بين التجارب الشخصية والمعلومات العلمية الدقيقة. ينصح الأخصائيون النفسيون الأهل بأن يكونوا هم المصدر الآمن الأول للمعلومات والدعم، وأن يطرحوا الأسئلة ويستمعوا بانتباه دون إصدار أحكام. كما يُستحسن إشراك مختصين في حال لاحظوا تغييرات في سلوك أبنائهم أو تأثراً واضحاً بمحتوى غير موثوق. فالتربية الرقمية اليوم لم تعد رفاهية، بل ضرورة لحماية الصحة النفسية في عصر منصات التأثير السريع.