أسبوع الأزياء الراقية في باريس: تصاميم حالمة عكست الحنين الى الماضي والهروب من الواقع
في أعقاب أسبوع الموضة الرجالية في باريس، شهد أسبوع الأزياء الراقية لربيع وصيف 2025، عروضًا من عمالقة دور الموضة الباريسية والعالمية، من بينهم ديور وشانيل وسكياباريللي، بالإضافة إلى أرماني بريفيه وفالنتينو، كما كان إيلي صعب وزهير مراد وجورج حبيقة من بين الدور الراقية التسعة والعشرين التي اختارت الكشف عن مجموعات الهوت كوتور الخاصة بها خلال هذا الحدث المميز.
أبرز اتجاهات الأزياء الراقية لربيع وصيف 2025
تمايلت العارضات على منصّات أسبوع الأزياء الراقية في باريس، بإطلالات مفعمة بالحنين إلى الماضي والهروب من الواقع والرسائل حول السلام العالمي كما تألقت الكثير من العروض بالإطلالات الرومانسية التي تفيض بالأنوثة والنعومة. أما فساتين الزفاف التي انتهت بها غالبية العروض فجاءت استثنائية وغير تقليدية.
الحنين الى الماضي
إبداع القرون الماضية، كان نقطة ارتكاز أساسية للعديد من المجموعات التي عرضت في باريس. وقد عبّرت مصممة الأزياء الرئيسية في دار ديور ماريا غراتسيا كيوري عن الحنين الى الماضي بالقول إن مجموعتها لربيع وصيف 2025، مستوحاة من “إبداع القرون الماضية”، ما يجعلها واحدة من العديد من المدراء الفنيين الذين كانوا يتطلعون إلى الماضي بحثًا عن الإلهام.
وفي الإطار نفسه استلهم دانييل روزبيري، كبير المصممين في دار سكياباريللي الباريسية، إطلالات عارضات الأزياء بما في ذلك كيندال جينر من الشرائط التي اكتشفها من عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي. وفي ملاحظاته المصاحبة للعرض، قال إنه “أراد السفر عبر الزمن، لإنشاء صور ظلية قد تستحضر الأزياء الراقية في الماضي”.
ديور: إطلالات تعكس جوهر وتحولات الموضة
شكّلت مجموعة ديور الجديدة التي تحمل توقيع المصمّمة ماريا غراتسيا كيوري، فرصة فريدة لإعادة إحياء المواضيع الجوهريّة المتجذّرة في ذاكرة الأزياء، وتستحضر روح الإبداع الذي ترك بصمة فريدة في القرون السابقة، وتكسر تسلسل الزمن ببراعة، مُتجاوزةً الحدود التقليدية بين الماضي والمستقبل.
وقد شكّلت مجموعة “ترابيز” التي ابتكرها المُصمّم الشاب “إيف سان لوران” في العام 1958 لدار ديور Dior، مصدر إلهام للمصممة ماريا غراتسيا كيوري، ومن هذه النقطة المرجعيّة التاريخيّة، تتحوّل المجموعة إلى سلسلة من اللقاءات غير المُتوقّعة في عالم أشبه ببلاد العجائب.
تتحرك ماريا غراتسيا كيوري في إطار هذا التناقض الزمني، بحريّة مطلقة، فتبتكر عالمًا تتجلى فيه أحلام الموضة بدون أن تفقد دهشتها أو جرأتها.
تؤكد التنورة المنتفخة “كرينولين”، في نسختها العصريّة والعمليّة، أنها أرض خصبة مدهشة لاستعادة الذكريات، حيث تنساق لأكثر التصاميم جرأة وزخرفة. وتُضفي الأسلاك الداخلية دعماً خفياً يعزّز جمال البلوزات الخفيفة المزيّنة بتطريزات الأزهار المرهفة. أما الصدارات الظاهرة والتنانير المكشوفة، فتبقى محفورة في الذاكرة بتأثيرها اللافت. كذلك أُعيد تقديم إطلالة “سيغال” ، التي ابتكرها السيد ديور لمجموعة الأزياء الراقية لخريف وشتاء 1953-1952، باستخدام أقمشة “مواريه” المميّزة، لتصميم تنّورة صغيرة مُنسّقة مع سترة مذيّلة ضيّقة تُبرز التباين الجريء في الأبعاد. واكتملت روعة المجموعة بالكاب المزيّن بالريش والمصنوع بدقة من الأرغنزا.
ويضفي اللون الأسود، برصانته وروعته، طابعًا استثنائيًا على المعاطف التي تتناغم مع حركة الجسد بانسجام تامّ. كما يتألق الفستان الطويل ببراعة لا تضاهى، بتطريزاته الفضية المصقولة الثلاثية الأبعاد، وكأن الزمن توقف عنده.
سكياباريللي: ابتكارات تُحاكي العصور الذهبية
يستفيض المصمم دانيال روزبيري المدير الإبداعي لدار سكياباريللي، في شرح الرسالة التي أراد توجيهها من خلال مجموعته الجديدة للأزياء الراقية لربيع وصيف 2025 والتي حملت اسم “إيكاروس”. فهو أراد أن يبتكر شيئًا يبدو جديدًا رغم قدمه، فبدأ البحث عن مراجع قديمة وغير مألوفة للألوان، ليقدّم مجموعة متقنة مترفة وزاخرة، وابتكارات تُحاكي روعة هوت كوتور الحقبة الماضية.
تستمدّ الصور الظلية لهذه المجموعة إلهامها من مجموعة واسعة من المراجع والهواجس، التي طبعت بسحرها القرن الماضي: فبرزت الأشكال الملتوية والمنحنية من عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، انسيابية تماماً وأطلق عليها المصمم اسمLiquid Deco ، تتجسد مع حرير جورجيت الهش المطرز بخرز ياباني، والذي يتم تثبيته لاحقًا على قماش كورسيه فرنسي تم تشكيله خصيصاً ليظهر جوانب الورك بشكل حاد وصادم. وأخذ السترات ذات الأكتاف الحادة من تصاميم سكياباريللي قبل الحرب وقام بتبسيطها وجعلها أطول، عمل أيضاً على تنسيقها مع التنانير الطويلة بتصميمها البسيط وقصّاتها المائلة، المستوحاة من التسعينيات، والمصنوعة من الساتان المزدوج.
إلى جانب ابتكار الأشكال المميزة، عمل المصمم على تجارب تقنية، من خلال قص سترة الـ Schiap Blazer الكلاسيكية من قماش الـ Ultrasuede، وتزيينها بتطريزات يدوية بخيوط من حرير الساتان. كما عمل على غمر الريش في الغليسرين لإضافة بعض الوزن عليه، ومعالجته بالكيراتين بواسطة فرشاة، ما منحه ملمسًا مشابهًا لذلك الذي كانت يستخدم في أزياء جينجر روجرز في ثلاثينيات القرن الماضي.
ويظهر العصر الذهبي الثاني للهوت كوتور من حقبة الخمسينيات، مع الصور الظلية الصارمة التي طبعت تلك الفترة، والتي جرت إعادة صياغة نسبها في مجموعة سكياباريلي.
السفر عبر الثقافات
بالنسبة إلى العديد من محبي الأزياء الراقية، يعتبر الابتكار في مجال الموضة بمثابة بوابة للهروب من الواقع الأليم والاحتفال بالجمال والإبداع والحرفية.
فالنتينو: تصاميم عابرة للعصور والثقافات
كشف أليساندرو ميكيلي عن مجموعة الأزياء الراقية الأولى من إبداعه مع دار فالنتينو خلال أسبوع الأزياء الراقية في باريس لربيع وصيف 2025 بعنوان Vertigineux . تأتي المجموعة بطابع “المبالغة” الماكسيمالية كل قطعة غنية بتفاصيل لا يمكن استيعابها من النظرة الأولى، تجمع بين ألوان زاهية قوية، وصور ظلية جريئة، وحقب تاريخية تتجسد بأسلوب درامي معاصر.
رافقت هذه التأملات المصمم، خلال استعداده لأول عرض للأزياء الراقية، ودفعته إلى تخيّل كل فستان بشكل فريد ومحدود وغير قابل للتكرار. أما النتيجة فكانت ثمانية وأربعون فستاناً مميزًا لا يشبه غيره ، منسوج بخيوط محمّلة بالعاطفة وإشارات تصويرية وملاحظات متعلقة بالسلع وأقمشة سميكة متصلة بالسيرة الذاتية وأنسجة سينمائية وأشكال هندسية لونية ودرزات فلسفية وعلامات موسيقية وتطريزات لغوية وأجزاء نباتية وأنماط بصرية وخامات تاريخية وتصاميم إنتارسيا سردية وعقد مترابطة. كما لو أن كل فستان يستحضر، عبر الترابط، عوالم متعدّدة ومتصلةً فيما بينها وكأنها تراكم مضطرب ومتواصل من الإشارات التي تكوّن تميز الفستان وفرادته التي لا مثيل لها. هكذا يكف الفستان عن كونه مجرد غرض مادي، بل يصبح عُقدةً في شبكة من الدلالات، وكأنه خريطة حيّة تحفظ آثار الذكريات البصرية والرمزية. إنه أرشيف سردي، فيه تعثر التركيبات غير المتوقعة على تناغم خاص بها، وتستحضر أجواء تعبر العصور والثقافات وأصداء حكايات ماضية تتردّد في الحاضر.
جورجيو أرماني: رحلة حول العالم
تحت عنوان “الضوء” عرضت جورجيو أرماني مجموعة أزيائها الفاخرة لربيع وصيف 2025 في باريس، وقد شكّلت هذه المجموعة خلاصة لهوية أسلوبية لا لبس فيها تمتد عبر القارات والثقافات، وتمثل خزانة ملابس امرأة أصيلة وعصرية، سافرت حول العالم، ومرّت بتجارب متنوعة أكسبتها خبرات وذوق خاص. كما تعكس المجموعة حركة الضوء بسرعته الخاصة، حيث يمر عبر العصور والأفكار والأماكن والأوهام.
مسارات وأشكال وألوان متنوّعة تصحبنا من الصين، وصولاً إلى مناظر بولينيزيا الطبيعية، حولتها دار جورجيو أرماني إلى مطبوعات وتطريزات تتألق بنعومة الألوان المائية الرقيقة. كذلك تستعرض المجموعة فخامة الهند، والأناقة الخطية لليابان، وآداب شمال إفريقيا، وكل ذلك بسلاسة غير ملموسة وبالكاد يمكن إدراكها. وتبدو الأحجار وكأنها تتكاثر كما لو كانت مدمجة في القماش، بينما تتلألأ البلورات مثل الشظايا المبهرة. وتزين التطريزات المصنوعة يدويًا كل قطعة، ما يؤدي إلى ابتكار رقعات معقدة تبرز ثراء الديكور الهندي.
وتتميز التصاميم بأشكالها المدبّبة والمتعرّجة نجدها على السترات الصغيرة المقصوصة، والفساتين الطويلة، والسترات الرجالية ذات أحجام مختلفة.
أما بالنسبة إلى الألوان فتتحول من الذهبي إلى الرمادي، ومن الأسود والأبيض إلى الوردي الناعم، مع لمحات من اللون البرونزي والأزرق العميق. وشملت المجموعة غطاء رأس بسيط تخايلت به العارضات على منصة العرض المضاءة بضوء قمري واضح.
رومانسية ببصمات لبنانية
إيلي صعب: تفاصيل دقيقة وخامات راقية ومميّزة
قدّم المصمم اللبناني العالمي إيلي صعب مجموعته للأزياء الراقية لموسم ربيع وصيف 2025، التي جسدت أعلى مستويات الأناقة والفخامة. تضمن العرض مجموعة من الأزياء الفاخرة التي تتميز بتفاصيل دقيقة وخامات راقية ومميزة، حيث اختار الألوان الطبيعية الزاهية ، واعتمد على تنوع المواد والأقمشة مستخدمًا الحرير والدانتيل والشيفون والتول، ما أضفى لمسة من الرقي والأنوثة على كل قطعة. وتميّزت المجموعة بمزيج من عناصر الطبيعة والجمال الخالص، كما تنوعت التصاميم بين الفساتين المنسدلة، والأزياء المستوحاة من الثقافة اللبنانية مع دمجها بالثقافة الأوروبية. واعتمدت المجموعة تدرجات الألوان الباستيل الناعمة، مثل الأخضر الباستيل واللافندر، إضافةً إلى الألوان الجريئة مثل الذهبي اللامع والفضي البراق، وألوان النيود.
جورج حبيقة: أقمشة أثيرية وزخارف سماوية
قدّمت دار جورج حبيقة، ضمن فعاليات أسبوع باريس للأزياء الراقية، مجموعتها من الأزياء الراقية الخاصة بربيع وصيف 2025. وقد شكّلت هذه المجموعة تكريماً لشخص عزيز هو ماري حبيقة، والدة المُصمّم جورج حبيقة وجدّة ابنه المُصمّم جاد حبيقة، التي توفيت عام 2024.
من خلال هذه المجموعة، يُكرّم الأب والابن المرأة التي كانت حجر الأساس في عائلتهما وعملهما، فهي من علّمت جورج فن الخياطة، وغذّت فيه شغفاً بالحرفيّة، والتطريز، والسعي إلى التميّز وهو الإرث الذي يتشاركه اليوم مع ابنه جاد.
تجسّد هذه المجموعة جوهر حياة ماري والعلامة الأبدية التي تركتها وراءها. من خلال التطريز الدقيق والأقمشة الأثيرية والزخارف السماوية، تعكس التصاميم الرحلة الروحية للروح، من الروابط الأرضية إلى التسامي السماوي.
كل قطعة تحكي قصة، وتهمس بالنعمة والكرامة بينما تتألق بسحر من عالم آخر. من الفساتين المتتالية المزينة بزخارف معقدة مخيطة يدويًا إلى القوام المضيء الذي يتلألأ مثل ضوء النجوم، تجسد المجموعة الانسجام الكوني للقدر والجمال الدائم للإرث.
زياد نكد: لمسات جريئة وجديدة
يأخذنا المصمّم اللبناني زياد نكد في رحاب الإبداع من خلال مجموعته الفاخرة للأزياء الراقية لموسم ربيع وصيف 2025، حيث تجاوز الحدود المعتادة ليقدم تصاميم تحاكي الخيال.
تميّزت الإطلالات بمجموعة من الألوان الحيوية تضمنت الألوان الزهرية البناتية ودرجات الألوان الباستيلية، إضافة الى الأسود الملكي الأنيق، مع لمسات من اللون الرمادي الهادئ، كما يأتي اللون البرونزي المزدان بالحبات البراقة ليكون جزءاً من قائمة الألوان الجريئة التي اختارها المصمم في إطلالات هذا الموسم.
بالنسبة إلى الأقمشة اختار نكد تلك التي تنبض بالفخامة، حيث برز استخدام الموسلين المطرّز بدقة، والكريب الفاخر المزين بالتطريزات الواضحة، وبرزت الأقمشة الكريستالية. ودخلت أقمشة جديدة الى المجموعة كالموسلين، والكريب، والشبك، التي أضافت لمسة من التجديد والابتكار.
طوني ورد: روعة الأزياء وسحر ساعة الغسق الأثيري
قدم طوني ورد مجموعته الجديدة للأزياء الراقية لربيع وصيف 2025، التي تنسج ببراعة بين روعة فنون الأزياء الراقية وسحر ساعة الغسق الأثيري. واعتمد ورد التجديد الاستثنائي للخيوط والحرفية الباذخة، لتشكل كل قطعة تحوّلاً جريئًا. وتبرز تصاميم الفساتين المنظمة والأشكال، القوام بشكلٍ متناسق، وتتميّز بالتطريز اليدوي. استخدم طوني ورد حركة الأورغانزا الحريري الثلاثي الأبعاد والأحجار الكريمة النادرة والكريستالات التي تتلألأ، إلى جانب تقنيات مبتكرة من آلاف الأقمشة المثنية، وخيوط الرافيا اليدوية، ليقدم مزيجًا خاصًا من الأقمشة شملت الساتان الصقيل،الحرير، والجاكار المحاك. كل تفصيل صغير، موضوع بعناية لخلق تناغم بين الصورة الكبيرة والتفاصيل الدقيقة.
أما لوحة ألوان المجموعة فمستمدة من ألوان سماء الشفق، مع درجات ناعمة من الفضة والأخضر والوردي والأزرق وتمتزج مع المعادن التي تلتقط التفاعل الدقيق بين الضوء والظل. عالم جديد تمامًا أطلقته مجموعة طوني ورد لربيع وصيف 2025 للأزياء الراقية.